مقالاتقضايا شبابية - مقالات

الاغتراب والهوية – مشكلة فقدان الهوية والشعور بالغربة داخل المجتمع

الاغتراب والهوية المفقودة

(يقول الدكتور حسن حنفى فى كتابه “الهوية” ليست الهوية موضوعا ثابتا أو حقيقة واقعية بل هي إمكانية حركية تتفاعل مع الحرية؛ فالهوية قائمة على الحرية لأنها إحساس بالذات والذات الحرة؛ الهوية قائمة على الحرية لأنها تعبر عنها)

هوية الإنسان مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقدرته على الاختيار حتى لا يشعر الإنسان بالاغتراب عن واقع لم يختَره، ومن ثم يجد نفسه مجبرًا على التعايش معه والتفاعل مع أشياء ومواقف لا يرضى عنها ولم يكن لاختياره الحر دخل فى إيجاده، فيجد نفسه خاضعًا للظروف الخارجية والتى تعد من أهم عوامل الإصابة بالإحباط خاصة إن لم يستطع تغيير ما يعيش فيه ولا يرضى عنه.

مشكلة الاغتراب

فنجد فى المجتمعات التى يسودها الظلم حالة من الاغتراب التى يصاب بها أفراد مجتمع الظلم لأن فطرتهم ترفض هذا الظلم ولكن لا يستطيعون تغييره مما قد يؤدى بهم -هذا الاغتراب- إلى اليأس من تغيير الأوضاع للأحسن والاستسلام التام لتلك الأوضاع وفقدان الدافعية اللازمة لتغيير هذه الأوضاع وقد يتحول الاغتراب لحالات أكثر خطرًا على المجتمع مثل انتشار العنف بين أفراد المجتمع وتحول هذا العنف لحالة مبررة كنتيجة من الاغتراب والإحساس بالاضطهاد والذى يستخدمه الأفراد المتبنين للعنف مبررا لأفعالهم تجاه المجتمع.

كذلك يرى دكتور حسن حنفى أن للعنف مظاهر أخرى تنطبع بالطابع النفسى فالمخدرات مثلا عند الأغنياء ترف فى مجتمع لا يشعرون تجاهه بأى مسؤولية ولا انتماء، وعند الفقراء مظهر من مظاهر العوز للأمان والشعور بقيمة لأى شىء فى حياتهم التى تفتقد لكل شىء؛ فتكون شلة الأنس عوضا عن شلة العمل الفعال والذى تعد عند الأغنياء لا قيمة لها لأنهم لا يعتبروا أن لمجتمعهم عليهم حقًّا وفى فئة الفقراء لا يجدونها من الأصل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ونجد مظهرًا آخر من مظاهر الاغتراب منتشرًا فى المجتمعات التى تحسب من المجتمعات الفقيرة وهى ظاهرة الاستهلاك والترف فى “كمبوندات” خارج المحيط الجغرافى الذى يعيش فيه السواد الأعظم من أبناء المجتمع كتعبير عن الهوية الضائعة التى لا ترى ثوابت ولا قواعد ترتكز عليها فيكون الغرب هو المرجعية الفكرية والثقافية لهم.

البحث خارجاً عن الذات

وتعد الهجرة من أنواع التعبير عن هذا الاغتراب الذى يعيشه شباب هذه الأيام حالمًا بأن يحقق ذاته ويصنع لنفسه حياة باختياره لتعوض النقص الذى يعانى منه من أوضاع أجبر عليها فى موطنه.

ويعد أخطر أنواع الاغتراب الناتج عن فقدان الهوية هو تبنى أفكار هدامة مثل المادية والاستهلاكية فى مجتمعات لها إرثها الفكرى والثقافى والدينى الذى يخالف تلك النظرة المادية للحياة؛ فظهور طبقة من المحسوبين على المثقفين يدعو لقيم المحتل الغاصب للأرض وتبنى أفكاره فى المعيشة والأنماط الاجتماعية والأسرية والعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع يعد من أخطر أنواع هذا الاغتراب؛ فبقصد أو بدون قصد عبر هؤلاء عن اغترابهم عن المجتمع وتخلفهم عن حضارتهم وهويتهم الحقيقية، فلا هم استطاعوا الدفاع عن ثوابتها ولا هم من أصحاب الحضارة الأصلية التى يتبنون شعاراتها، فنتج عن تلك الحالة فقدان أكثر وأكثر واغتراب أكثر وأكثر عن الهوية الأصلية.

هويتنا الضائعة

وما نشهده من صراعات أيدولوجية فى مجتمعنا هو أيضا اغتراب وفقدان الهوية ينم عن جهل بثوابت حضارتنا التى تدعو لتقبل الآخر، ولا تجد غضاضة فى الاختلاف فى الرأى، بل تعتبر هذا الاختلاف من المظاهر الصحية فى العلاقات بين الأفراد ووصل الأمر إلى أن من يحاول إحياء الثوابت والقيم هو الغريب، ولا يجد آذانًا لما يقول بل يوجَّه له من الانتقادات مثل تلك التى توجه للذى يدعو إلى التخلى عن هويتنا! فى انقلاب واضح للحقائق، وتعد هذه الظاهرة من أغرب الظواهر التى تمر بها مجتمعاتنا اليوم.

ولا سبيل لمواجهة هذا الخلل الفكرى والمنطقى إلا بالإصرار على مواجهتها والتسلح بكل القيم الأخلاقية والمنطقية والفلسفية وإبراز الخصوصيات الحضارية لهويتنا وتعريف الأجيال بها حتى لا تضيع هويتنا وثوابتا بشكل كامل، وأكبر مثال نعانى منه جميعا هى قضية فلسطين، فبين المفرط والمتنازل يظهر بصورة جلية صراع الهوية والاغتراب.

اقرا أيضاً:

اختزال الهوية

محمد صلاح والبحث عن الذات

فلسطين ومركزية القضية