مقالات

النخوة في صدر الإسلام

عندما بدأ الإسلام في مكة كان الأمر جديدًا وصعبًا على النفوس لأنه كان ثورة على كل شيء سيئ، وبمنزلة التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وتعاليم ترتقي بالمرء إلى مرتبة عالية: مرتبة الإنسانية.

أبو بكر الصديق

كان أبو بكر الصديق رجلًا تاجرًا كبيرًا ذائع الصيت وأول مَن آمن من الرجال، لمّا ضاق ذرعًا بقريش خرج من مكة، فقابله رجل من ساداتها وهو ابن الدّغنة، فلما عَلِم سبب خروجه استاء كثيرًا، وقال له: “مِثلك لا يَخرج ولا يُخرج”، وأعاده إلى مكة وأدخله في جواره.

إنّ الرجولة والمواقف لا ترتبط بدين أو جنس أو قوميّة، لكنها تحتاج فقط إلى شعور وإحساس الإنسان بأخيه الإنسان، وعدم تكلفته أكثر من طاقته.

عليّ بن أبي طالب

وضَحَّى البطل أبو الحسن عليّ بن أبي طالب وهو صغير، ونام في فراش نبي الإسلام ليفتدي أمّة بأكملها وكان عُرضة للقتل والفتك به، لكنها المواقف التي تُظهر كيف ستكون العلاقة في مستقبل الصغار عندما توضع المسؤولية على كاهِلهم.

أبو طالب

وعلى الرغم أنّ شِعب أبي طالب كانت مِلكًا له وهو غير مُسلم فقد لجأ المسلمون إليه، وأصبح ملاذًا لهم بعد تضييق قريش عليهم، وفرض الحصار الظالم الذي يدل على الحقد الدفين.

لقد استمر هذا الحصار ثلاث سنوات، وما أشبه ليلة الجاهلية ببارحة العصر الحديث في فلسطين المكلومة؛ من تجويع وحصار اقتصادي واجتماعي وفرض عُزلة بعدم البيع والشراء والعطاء، حتى أكلوا أوراق الأشجار.

التحقت السيدة خديجة الوفيّة بهم في الشّعب، لتشعر بما يشعرون به وما يكابده الضعفاء والفقراء رغم تجارتها الواسعة وأموالها الوفيرة، وبعدها ماتت، وزادت المِحنة بلاءً بموت المُدافع الثاني عن نبي الإسلام وهو أبو طالب. إنّ النخوة والرجولة تكون نتاج المواقف لتوضّح معنى المروءة والرقي الإنساني.

العباس بن عبد المطلب

النخوة في صدر الإسلام

أفضل الناس في الجاهلية أفضلهم في الإسلام إذا تعلموا وتفقهوا، فهذا العبّاس عم النبي، كان في رحلة صيد وفي أثناء عودته عَلِمَ بسبِّ أبي جهل نبي الإسلام وتطاوله عليه، فما كان منه إلا أن توجه إليه في نادي قريش في البيت الحرام فشجّ رأسه بقوسه وقال له دون أن يدري: “أتسبُّ محمدًا وأنا على دينه أقول ما يقول؟!”، ولم يكن أسلم بعد، ثم هداه الله للإسلام، فالنخوة تجري في النفوس السّوية مجرى الدم في العروق.

وفي معركة بدر إذ تسابق صبيّان في القضاء على أبي جهل، وقد نما إلى عِلمهما فقط أنه سبّ رسول الله، فسألا عبد الرحمن بن عوف عن مكانه في المعركة فانقضَّا عليه فقتلاه، ونتعلّم من هذا أنّ الدم عندما يكون نوع فصيلته نخوة فلا فرق إذًا بين الصغار والكبار أو الرجال والنساء.

عبد الرحمن بن عوف

لقد كان عبد الرحمن بن عوف تاجرًا كبيرًا ومن أثرياء مكة، وعندما أراد الهجرة ترك كل شيء من بيت وأموال وتجارة، فوصل إلى المدينة فآخى النبي بينه (من المهاجرين)، وبين سعد بن الربيع (من الأنصار)، فعرض عليه سعد مُشاطرته نصف ماله وأشياء أخرى فرفض عبد الرحمن، وقال له:”بارك الله في أهلك ومالِك، لا حاجة لي في هذا، دلّوني على السوق”، فقد كان ماهرًا في التجارة يتحوّل التراب في يده إلى ذهب.

هل من الممكن أن يتنازل المرء عن نصف ماله وإحدى زوجاته بهذه السهولة؟ إنّ الأمر في الحقيقة صعب على النفس العادية، لكنه سهل على النفس الراضية التي وصلت إلى مرحلة سامقة في الرقي والنبل والصفاء.

إننا نحتاج بالفعل إلى نماذج حيّة تطبّق ما تعرفه وليس تنظيرًا وتفيهقًا، تكون أسوة تعيش بيننا فيراها الكبار والصغار معًا، فيصل الكبار بها إلى مرحلة اليقين، والصغار يرون الأسوة الحسنة أمامهم وهم تلقائيًا سيتحدثون عنها، ويطبقونها عندما يتقدم بهم السّن ويحملون عبء مجتمعهم وتقدمه وسُبل النهوض به.

مقالات ذات صلة:

النخوة في الجاهلية

النبي، الإنسان الكامل والرئيس الأول

النظام الاجتماعي لمكة قبل الإسلام

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر