مقالات

المهمومون بالعـــلم العربي

على سبيل التقديم:

منذ فترة طويلة تراودني فكرة كتابة سلسلة من المقالات بعنوان: “المهمومون بالعلم العربي”، تتناول كل مقالة منها واحدا من المفكرين الذين اهتموا بتاريخ العلوم العربية وفلسفتها اهتماما كبيرا في الفترة المعاصرة، أولئك الذين عاصرناهم أو عاصرنا من عاصرهم.

وبعد أن حددتُ بعض هذه الشخصيات التي أنتوي الكتابة عنها، شرعتُ في كتابة هذه السلسلة من المقالات، لكني حين بحثتُ في شبكة الإنترنت فوجئتُ بندرة في المقالات التي تناولت سير بعض من هذه الشخصيات أو عدم دقة كتابتها، رغم أن هذه الشخصيات لها باع طويل في دراسة العلم العربي وتدريسه، وتأليف ونشر كثير من الكتب حوله لتعليمه والتعريف به.

جعلني هذا الأمر كلما هممت بالكتابة في حالة من التردد؛ خوفا من عدم الإلمام الكافي بالسيرة العلمية الدقيقة للشخصيات موضوع الدراسة، لكن الفكرة مازالت تلح على ذهني، حتى أنني تساءلت: لماذا لا تكون ندرة الكتابات عن المهمومين بالعلم العربي سببا ودافعا لي للشروع في تنفيذ تلك الفكرة؟

حينها استشعرت أهمية الكتابة في هذا الموضوع، ومن ثم الكشف عن دور بعض المفكرين العرب في نصرة العلم العربي؛ خاصة وأن كثيرا منهم لم ينل الاهتمام الكافي الذي يستحقه أو الدراسة الدقيقة لأعماله.

وبعد البحث والاطلاع، أدركت أن المكتبة العربية تفتقر إلى كتابات تجمع أبرز المهمومين بالعلم العربي في زماننا المعاصر، وتكشف عن أهم مؤلفاتهم وأنشطتهم التي اهتمت بهذا الأمر، من ثم رأيت ضرورة إعداد كتاب يحمل نفس الاسم، وفي تصوري أن عملية تأليف كتاب قد تستغرق وقتا طويلا من حيث جمع المادة العلمية لكل مفكر، وتحليلها ثم معالجتها لاستخلاص فائدة عملية أو أثر أو عبرة، حتى تصبح السيرة الفكرية مصوغة بدقة وموضوعية، دون تبجيل أو تقليل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حينها راودتني ثانية فكرة كتابة مقالات منفردة عن كل مفكر أو عالم أو فيلسوف كان شغله الشاغل العلم العربي، ربما تصبح هذه المقالات نواة أو خطوطا عريضة لما قد أتناوله في فصول الكتاب المحتمل إعداده حول من أطلقتُ عليهم “المهمومون بالعلم العربي”.

معايير اختيار الشخصيات:

شرعت في دراسة الأمر، وهممت في وضع الخطوط العريضة للكتاب؛ حيث إنني بحثت في تاريخ العلم العربي، وسير بعض المفكرين العرب الكبار الذين اهتموا به، وفي أعمالهم وأنشطتهم التي أسهمت بشكل قوي في دعم ونشر العلوم العربية العظيمة التي ظهرت في العصور الوسطى، التي شكلت وعي وثقافة العالم المتحدث بالعربية آنذاك، والتي كانت كذلك نقطة الانطلاق للعلم الغربي الحديث، والأساس الذي أقام عليه عصر النهضة الأوروبي بنيانه، ثم وضعتُ بعض المعايير لاختيار المفكرين الذين سيشملهم الكتاب.

أول هذه المعايير: أن تكون شخصيات المفكرين المهمومين بالعلم العربي عربية الميلاد، أو لها أصول عربية أو كاتبة باللغة العربية؛ حيث أن هناك من يعيش في العالم العربي وكتب فقط باللغة العربية أو جمع بين اللغة العربية ولغة أجنبية أخرى، وهناك من استقر به الحال في بلاد أجنبية وكتب بلغتها فقط أو بلغتها وباللغة العربية أيضا، وهناك من  ولد في بلاد أجنبية لكنه يكتب بالعربية ويهتم بالعلم العربي.

أما ثاني هذه المعايير، فيتمثل في ضرورة أن يكون لكل شخصية من هذه الشخصيات إنتاج علمي مؤلف مهم موضوعه العلوم العربية، وله تأثير واضح محليا وإقليميا ودوليا، وأن يكون لهذه الشخصيات نشاط بارز في تأسيس أو المساهمة في تأسيس مؤسسات أو مراكز أو وحدات يدخل ضمن اهتماماتها العلم العربي.

أهمية دراسة سير العلماء:

إن لسير العلماء والمفكرين أثرا كبيرا في إحياء العلوم ودعمها ونشرها وفلسفتها في ربوع المجتمعات، وتعظيم دراسة هذه العلوم، وحث الشباب على الاستفادة من مناهج العلماء والمفكرين العظام في حل بعض المشكلات التي تتناسب معها هذه الأيام، فعندما نتحدث عن العلماء ومعاناتهم، وإنجازاتهم وأعمالهم، وطرق تفكيرهم وكيفية معالجتهم للقضايا المهمة، وبحثهم عن حلول للمشكلات المعروضة أمامهم، إنما نعمل في حقيقة الأمر على استخراج الدرر من سير هؤلاء العلماء، لتعريف الشباب والباحثين بعظمة تراثهم العلمي، وشحذ هممهم، وحثهم على الصبر والثبات، ومواصلة الطريق رغم الصعوبات التي قد يتعرضون لها، مثلما تعرض لها أساتذتهم ممن حملوا على أكتافهم مهمة البحث في العلم العربي، بالإضافة إلى إشباع الرغبة في المعرفة، وتحقيق لذة النجاح، وقيامهم بدورهم تجاه مجتمعهم والمساهمة في حل مشكلاته.

تجدر الإشارة إلى أن ما أقصده بالمهمومين بالعلم العربي هم أولئك الذين اهتموا بدراسة العلم العربي وتدريسه وأسهموا في الكشف عن كنوزه؛ لتعليمها ونشرها وتعريف العالم بها، وليس العلماء العرب الذين اخترعوا اختراعات أو وضعوا نظريات علمية كبيرة، حيث يأتي دور المهمومين بالعلم العربي بعد دور العلماء العرب، وهو ما يعني أن لغة المهمومين بالعلم العربي لغة بعدية تأتي بعد اللغة الشيئية التي هي لغة العلماء العرب أنفسهم.

فالشغل الشاغل للمهمومين بالعلم العربي هو دراسة العلم العربي الأصيل الذي وضع قواعده العرب في العصور الوسطى، فهما وشرحا وتحقيقا وتدريسا، حيث بينوا عظمته ودوره في التقدم العلمي الحديث.

وفي الأخير وجب عليَّ القول: إن الانهمام بالعلم العربي هم نبتغيه، إن هذا الهم محمود.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

لحوم العلماء .. بين المدح والذم!

ميزان العلم

تهميش الفلسفة وسطوة اللاعقلانية في العالم العربي

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب