مقالاتقضايا وجودية - مقالات

الانفجار العظيم هل من الممكن أن يكون سبب؟ أم أنها كانت صدفة؟

الصدفة وحدها هي السبب وراء نشأة الكون ؟ هل المقال إتكتب صدفة ؟

مُخطئ من يظن أن الملحد يؤمن بانبثاق الكون من العدم بدون أسباب ومقدمات فهذا العالم المنظم لابد له من فاعل، نعم يؤمن الملحد أن هناك علة أوجدت هذا الكون، ولكن أي علة؟

العلة الفاعلة والعلة الغائية

قسّم الفلاسفة العلة إلى أربعة علل سنعرض منهم العلتين المختصتين بهذا الموضوع وهما العلة الفاعلة والعلة الغائية، لا يوجد إنسان على وجه هذه الأرض لا يؤمن بأن كل فعل له فاعل بما فيهم الملحد الذي ينكر وجود الإله، يمكنك إدراك ذلك إن تخيلت مشهد بسيط كأن تجلس داخل غرفتك مثلا ولا يوجد أحد في المنزل وفجأة سمعت صوت فخرجت من غرفتك وجدت التلفاز المغلق مفتوح والريموت الذي كان على المنضدة قبل قليل موضوع على الأرض، ستشعر بالرعب وقتها أليس كذلك؟

ورغم عدم وجود أحد معك إلا أنه حتماً سترد هذا الأمر الغير مفهوم إلى فاعل أو كما أطلق عليها الحكماء والفلاسفة “علة فاعلة”، فقد اتفقت البشرية على حتمية وجود فاعل لكل فعل حتى وإن كان هذا الفاعل شبح لا يُدرك، أما العلة الغائية فهي السبب الذي تسبب في فعل الفاعل لفعله، الهدف الذي يسعى لتحقيقه من وراء فعله.

فعلى سبيل المثال غاية الطالب من فعل المذاكرة هو التفوق الدراسي ولذلك فقد اختار المذاكرة على حساب أفعال أخرى كمشاهدة المباراة أو الذهاب للسينما مثلاً، وأيضا اذا نظرنا لصاحب مهنة كالنجار سنجد غاية النجار من تصميمه لمربع خشبي متصل بأربعة أقدام خشبية عمودية هو صناعة كرسي ولذلك فقد رتب وصمم الخشب بهذه الكيفية دون غيرها.

والمُلاحَظ في حياتنا أن أي فعل مُتقن وبديع نرده إلى غاية فاعل مُبدع, حيث اننا لا نقول مثلا أن الموناليزا رسمها طفل صغير لا يدرك ماذا يفعل لشدة براعتها ونظامها فهي حتماً لشخص بارع فنان يدرك ماذا يفعل ويعرف كيف ينقش الخطوط والألوان بهذا الشكل تحديداً لكي ينتج لنا هذه التُحفة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بماذا يؤمن الملحد ؟

يؤمن الملحد أن لهذا الكون علة فاعلة ولكنة يرد تلك العلة إلى علل فيزيائية لا تدرك ولا يردها إلى إله يدرك لأنه لا يؤمن بوجود غاية من وراء هذا الكون ويؤمن بأن الصدفة قد تصنع هذا الإبداع مثلما تتدخل في الكثير من تفاصيل حياتنا، وأبرز مثال على ذلك هي أحد النظريات التي يفسر بها العلم تكون المجموعة الشمسية والتي تقول أن الأرض كانت قطعة من الشمس انفصلت عنها نتيجة حركة الشمس الشديدة وعند ابتعادها عن الشمس في الفضاء لنقطة معينة ثبتت مكانها بفعل قوتين قوة تجذبها للشمس وقوة تبعدها عنها فصارت الأرض تدور حول الشمس من مليارات السنين حتى صار غلاف الأرض رقيق تدريجياً فأصبحت صالحة للحياة، وبهذا الفعل العشوائي وليد الصدفة تكّون كوكبنا، وبهذه الصدفة تصير الحياة على كوكبنا.

عندما تتصادم سيارتان على الطريق أليست هذه الحادثة وليدة الصدفة؟، إذاً فما هي الصدفة؟

قبل الإجابة دعونا نتخيل معاً تلك الحادثة بحبكة درامية، شخص مُتسرع مُتأخر عن عمله يسير بسرعة غير قانونية لأن الساعة تجاوزت الثامنة صباحاً موعد استلام عمله والشخص الآخر امرأة عائدة إلى منزلها بعد أن نقلت أطفالها إلى مدرستهم التي تبدأ حصصها الدراسية في الثامنة صباحاً، أليست هناك غاية لكليهما من استخدام نفس الطريق في نفس التوقيت؟ إن مجموعة الأسباب والعوامل والظروف جمعت أطراف تلك الحادثة وبعدما تمت تعلم الطرفان شيئا من هذه التجربة، وكما نرى بمزيد من المعلومات تقل الدهشة ويتلاشى وصف الصدفة تدريجياً.

الدارس لطبيعة الشمس سيعرف خصائصها وسرعتها وخط سيرها وحرارتها وجاذبيتها وكل تفاصيلها، إن صحّت تلك النظرية أليس لسبب انفصل هذا الحجم دون غيره وابتعد عن الشمس هذه المسافة دون غيرها ودار حولها بهذه السرعة تحديداً دون غيرها؟، فما هي الصدفة إذاً؟

الصدفة

تعبير الصدفة ينتج عن جهل الإنسان بعلل الأشياء وعدم إلمامه بكل التفاصيل، فمثلا عندما يكتشف بعض الأعراب الذين يعيشون في الصحراء منجم فسيمجدون تلك الصدفة التي ستنقل حياتهم بعكس شركة ما جاءت للحفر خصيصاً في ذلك المكان لمعرفتها بجغرافيا المكان وتاريخه وطبيعته فالأمر بالنسبة للشركة بالتأكيد ليس صدفة بعكس الأعراب.

لسبب ما سأتواجد في أحد المصالح الحكومية ولسبب آخر سيتواجد صديق لي لم أراه منذ سنوات في نفس المصلحة الحكومية وفي نفس الوقت، إن أردت تسمية ذلك بالصدفة فذلك لا ينال من النظام الغائي بأي شكل فأنا وصديقي لدينا غاية من التواجد في هذا المكان ونسير نحوها، بأسلوب آخر سيلتقي خط غايته السير أفقياً مع خط آخر غايته السير رأسياً إن كانا يسيران على نفس الورقة ويتجهان لنفس الاتجاه.

إن النظام الغائي للكون يهدف الى انتخاب مكونات الطبيعة بهذا الشكل دون غيره لتعمل بهذه الطريقة دون غيرها والشواهد الحسية على نظام الكون وغايته لا تنتهي وربما الأفلام الوثائقية عن الطبيعة خير شاهد عليها، يكفينا التأمل في تناسق وظائف أعضاء الجسد أو في حركة الكواكب والمجرات لندرك الغاية والنظام وثباتهما، فكل الأشياء في كوننا لها حركة معينة تسير بها وهدف معين تسير نحوه بنظام ثابت لا يتغير وهذا النظام بالبداهة يُرد إلى علة مُدركة لها غاية وليست مجرد علة فاعلة لا تُدرك.

ولكن ما الذي يجعل الإنسان يلحد؟

الإلحاد نتاج المنهج التجريبي الغربي الذي يريد أن يستدل على كل شيء بالمشاهدة الحسية، وهو منهج برز في أوج التقدم العلمي في القرنين السابقين، الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها من العلوم التي تتناول المادة هي بالضرورة تعتمد على المشاهدة واللمس والحواس والتجربة العلمية في استدلالها، ولذلك فهم ضد القول بوجود إله مدرك أوجد هذا الكون بهذا النظام وهذه الكيفية لأنهم عاجزين عن معرفة ماهية هذا الإله وصفاته ومكانه، حيث فشلت التجربة والحواس في إدراك ذلك.

فالتجربة العلمية لها حدودها التي لا تتجاوزها فهي لا تستطيع إدراك ما هو مجرد عن المادة، وبديهيات العقل أعم وأشمل في الاستدلال بل إنها تحكم التجربة العلمية ذاتها، فالعاملون بالمعمل الغربي يدركون جيداً بالبداهة أن لكل فعل غاية ولكل نتيجة سبب وهذه البديهية هي التي تجعلهم يقضون أعمارهم في المعمل باحثين عن علل الأشياء وأسباب وجودها بهذه الكيفية آملين في تسخيرها للبشرية، أما نظام الكون فيردوه للصدفة لعجز تجربتهم عن إدراك صانعه.

وأما نحن أتباع المنهج العقلي فنقول أن إثبات وجود الإله يتم بمنظومة معرفية حاكمها العقل ومستشارها الوحى وهذا دفع الفلاسفة والحكماء للقول أن الكون من صُنع إله حكيم مُدرك مطلق الكمال.

 أقرأ أيضاً:

نعم أنا متشكك

الوجود نعمة أم نقمة

أزمة العدالة والخير والشر

 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.