مقالات

التكامل بين الذكاء الاصطناعي والأساليب السيكومترية

رؤية مستقبلية في القياس النفسي والتربوي

شهدت السنوات الأخيرة تطورًا متسارعًا في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها الشبكات العصبية الاصطناعية، في العلوم الإنسانية والاجتماعية، بما في ذلك مجال القياس النفسي والتربوي. وتشير عديد من البحوث إلى أن هذه النماذج توفر دقة تنبئية وقدرة تصنيفية تتجاوز في بعض الحالات النماذج الإحصائية الكلاسيكية: مثل الانحدار الخطي أو اللوجستي، وهو ما دفع بعض الباحثين إلى الحديث عن تجاوز أو حتى استبدال الأساليب التقليدية بالإجراءات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

ومع الاعتراف بما حققته هذه التقنيات من إنجازات كمية وكيفية، إلا أن ذلك لا يعني الاستغناء الكامل عن الإجراءات السيكومترية الكلاسيكية. فالصدق والثبات ليسا متطلبات شكلية فقط، وإنما يمثلان الركيزة التي تضمن صلاحية أدوات القياس ودقة تفسير نتائجها. كما أن إغفال هذه المعايير والاعتماد المطلق على النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي يفتح المجال أمام ما يمكن وصفه بمشكلة “الصندوق الأسود”، إذ تنتج النماذج مخرجات دقيقة على المستوى الإحصائي، لكنها تفتقر إلى الشفافية التفسيرية التي تسمح بفهم العلاقات الكامنة بين المتغيرات المدخلة والمخرجات المستنتجة.

ويتمثل الاتجاه الأكثر عقلانية في النظر إلى المستقبل من منظور التكامل لا الإلغاء. إذ إن الجمع بين قوة النماذج الإحصائية التقليدية وما تتيحه من صرامة منهجية في التحقق من خصائص الأدوات، وقدرات النماذج الحديثة على التنبؤ والتصنيف، هو السبيل لتطوير أدوات قياس متقدمة تستجيب لتحديات الواقع التربوي والنفسي. وقد أثبتت بعض الدراسات التجريبية التي اعتمدت النماذج الهجينة أن هذا الدمج يحقق نتائج أكثر موثوقية من الاعتماد على أي من النهجين على نحو منفرد.

وتبرز أهمية هذا الدمج بوضوح عند التعامل مع القضايا المعقدة في الميدان، مثل صعوبات التعلم، واضطرابات طيف التوحد، ومشكلات النطق والكلام. فهذه المشكلات بطبيعتها متعددة الأبعاد وتتطلب أدوات قادرة على استيعاب التداخل بين عوامل معرفية وانفعالية وسلوكية في آن واحد. وهنا يظهر التفوق الوظيفي للشبكات العصبية الاصطناعية بقدرتها على تحليل بيانات ضخمة ومعقدة، لكن هذا التفوق لا يكتمل دون التحقق المسبق من الصدق البنائي والثبات الداخلي والخارجي للأداة المستخدمة.

وعليه، فإن مستقبل القياس النفسي والتربوي لا يقوم على تجاوز الأساليب الكلاسيكية أو إلغائها، بل على إعادة توظيفها في إطار أكثر مرونة يسمح بالاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة. إذ إن تحقيق هذا التوازن يمثل الضمان الحقيقي لإنتاج معرفة علمية دقيقة وقابلة للتطبيق، ويمنح مجال القياس النفسي والتربوي القدرة على مواكبة متغيرات العصر الرقمي دون التفريط في أصوله المنهجية الراسخة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

كليات التربية في عالمنا العربي ورؤى التطوير المنشود

التأقلم مع التحديات .. أسر أطفال التوحد

الفن الرقمي والذكاء الاصطناعي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

ا.د. هشام الخولي

أستاذ القياس والتقويم النفس التربوي كلية التربية – جامعة السويس رئيس قسم علم النفس التربوي