العدل في الميزان..
و أضئ حياتك بالمعارف إنما
هي في ظلامِ العمرِ كالنِّبراسِ
و اجعلْ أساسَ النفسِ حبَّ اللهِ إذ
لا خيرَ في بيتٍ بغيرِ أساسِ
سئل الفيلسوف اليونانى سقراط يوما لماذا تعد أحكم حكماء اليونان فأجاب قائلا: “ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعرف أنه لا يعرف شيئاً على الاطلاق” لتكون تلك المقولة عنوانا لحياة ذلك الفيلسوف العظيم الذى أتعب سفسطائيي قومه كثيرا حتى لم يجدوا بدا من اعدامه بتهمة الهرطقة ليواجه مصيرا اشترك فيه مع الأنبياء والرسل ممن عودوا وكذبوا وقتلوا.
لا أدرى لماذا حينما قرأت تلك المقولة التى قيلت على لسان ذلك الحكيم تذكرت تلك الندوة التى حالفنى حظى الحسن بحضورها منذ ما يقرب من العام والتى كان ضيفها الكاتب والشاعر والمحلل السياسى تميم البرغوثى فعلى الرغم مما لتميم من علم بحكم دراسته للعلوم السياسية وتدريسها الا أنه لم يكد يطرح رأيه فى الموقف السورى المتعقد -وهو الموقف الذى ثبتت صحته فيما بعد- حتى انهالت عليه الأسئلة من كل حدب وصوب تحمل احيانا فى طياتها واحيانا اخرى تصرح -بكل وضوح- بمزايدات حادة على انسانية تميم وانحيازه للحق ليثير ذلك المشهد بداخلى دهشة لم تنتهى حتى اليوم فالنقاش لم يخرج فقط من اطار الموضوعية الى اطار الاتهامات العبثية ولكنه حمل اعتناق الكثير لجهلهم صامين أذانهم عن كل ما قد يحمل ولو قبسا من الحقيقة.
ربما قد يبدو كل ما سبق بعيدا كل البعد عن العنوان الذى اخترته لتلك المقالة الا انه مرتبط بها ارتباطا وثيقا فها هى ثورتنا مازالت تتخبط فى نفق مظلم من الفشل والاخفاق لا يبدو مخرجه قريبا وربما قد يتضح لنا أكثر سبب ذلك التخبط حين نجد أن ثوارنا يعانون وبشكل واضح فى التعامل مع علة ثورتهم فعلى الرغم من اتفاق الجميع على أن الثورة مستمرة حتى اسقاط الظلم الا أنهم يغفلون عن حقيقة أن كل ما هو دون العدل فهو ظلم فإن لم تمتلك صورة واضحة للعدل وأدوات مناسبة لاقامته فما نفعله ليس سوى الانتقال من ظلمات الى ظلمات وهو ما قد صرح به شيخنا الجليل الامام محمد الغزالى حين قال:”هاتِ البديلَ إذا أردت أن تغير وضعاً خاطئاً”.
ومع تلك الغفلة التى قد تكون بقصد أو عن غير عمد تتعالى نبرات الحمية للحق دون تحديد لذلك الحق مكتفين بالبحث فى فساد مقاصد الأخر دون النظر الى مقاصدهم والتى إن كانت حقا فكل حق مرده الى العدل كما قال الله تعالى فى كتابه العزيز: “والسماء رفعها ووضع الميزان” تلك الأية الكريمة التى علق عليها رسولنا الصادق المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى قائلا: “بالعدل قامت السماوات والأرض” أو كما قال المعلم الأول أرسطو: “كل الفضائل تتلخص في التعامل بعدالة” فكيف بهم أن تكون غايتهم الحق دون امتلاك لأى وسيلة حقيقية كانت لمعرفة العدل بغض النظر عن الاستدلال عليه؟ !!.
ولا يسعنى سوى أن الاحظ تعالى نبرات لوم المجتمع الجاهل الذى لم يعط أسياده التقدير اللازم لكى يستطيعوا اقامة العدل على الرغم من جهلهم منشأه وحقيقته وصورته وتطبيقه تلك النبرات التى تصاحب نبرات أكثر تأثيرا هى نبرات العالم ببواطن الأمور الرافض لأى رأى لا يصدر عن بصيرته النافذة بالرغم من أن علمه قد لا يتعدى بضعة برامج تلفزيونية ومقالات قصيرة ليصبح تطبيقا لمقولة الامام على بن أبى طالب: “ورجل لا يدرى ولا يدرى أنه لا يدرى فذلك الأحمق فتجنبوه”.
وفى الختام أشير الى أن ذلك التعنت تجاه ما نملكه من حقائق بسيطة وعلم شحيح ليس سوى هروبا من ألم التعلم وتحصيل ما يكفى من العلم لامتلاك نظرة للتعامل مع المواقف بما يتناسب مع تلك النظرة الساعية لإقرار قيم العدل والحق والذى إن تحصلنا عليه لفاقت لذة وضوحه لنا كل ما ساقتنا له من ألام وما علينا سوى أن نبدأ بأن نضع العدل فى ميزان العقل لكى نعرفه حق المعرفة فننصره حق النصرة.
اقرأ أيضاً:
دولة العدل (1): الثواب والعقاب
اعتراض الملائكة على استخلاف الإنسان
شاهد أيضاً:
ندوة – الجمال في الإنسان وغيره
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.