العبيد الجدد والحرية الوهمية – هل الحرية تعني أن نفعل ما نشاء وقتما نشاء ؟
هنالك بعض المفاهيم التي تثير أنفسنا بالتحرك إليها مثل الحرية، ونظن أن في امتلاكها الخلاص والفوز العظيم، وكلما تصورنا الحرية تصورنا أنفسنا ونحن نفعل ما نشاء ونقول ما نشاء (في إطار المعقول) وتذكرنا كيف كان العبيد في السابق وكيف كان يتم التعامل معهم وتذكرنا المآسي وحزنا كثيراً عليهم من باب الإنسانية وحقيقة أنهم بشر مثلنا لا ينقصون عنا شيء، فلا بد من التعامل معهم بإنسانية، وحمدنا الله كثيراً على أننا لسنا بهذه العصور وأننا أحرار ولسنا عبيد.
ولكني سأتوقف هنا لكي اسأل: هل حقاً نحن أحرار؟! أم أننا عبيد بشكل أو بآخر ومن ثم نجهل هذه الحقيقة؟ هل حقاً الحرية أن نفعل ما نشاء وأن نقول ما نشاء أم أن هناك معنى أبعد من هذا تكمن وراءه الحقيقة؟
هل يصح أن تكون الحرية مطلقة ؟
لحل هذه الأسئلة لا بد من تعريف الحرية حتى نتمكن من معرفة هل نحن أحرار أم لا؟ وفي هذا الشأن هنالك الكثير والكثير من التعريفات بعضها مبني على حسب وجهات النظر والبعض الآخر ذكر الحرية بما يطابق الواقع فعلى سبيل المثال وليس الحصر هنالك من يرى أن الحرية لا بد أن تكون مطلقة بحيث نتحرر من كل القيود حتى القيود الأخلاقية ونفعل ما تمليه علينا أنفسنا.
ونرد هذا التعريف بالاعتراض لكونه متناقض في أكثر من جهة، فنرى أنه قال بالإطلاق وأغفل أن هذا يتعارض مع كون الإنسان مدني بطبعه ويحتاج إلى غيره في كثير من الأمور ولا تستقيم له الحياة في العزلة أو الفردية، وبقول الإطلاق يستحيل التجمع الذي يحتاج لقوانين لضبط التعامل وبهذا نرى أن هذه النظرة للحرية تتعارض مع الطبيعة الإنسانية؛ فهي لم تراعِ الحقيقة الإنسانية، ومن وجه آخر نرى أنه جعل من الحرية فعلاً وأن نقول ما نشاء من دون ضابط، وقال بالإطلاق وهو عدم التقييد وهذا خطأ واضح؛ فالإنسان مقيد بالجبل بأن يُولد إنسان وأيضاً لا يختار أبويه، ومجبر على أن يشيخ وأن يموت بعد فترة، وأيضاً مقيد بقوانين الكون مثل قانون الجاذبية وتمدد المعادن بالحرارة، فلا يمكن أن نتقدم علمياً إلا بمراعات تلك القوانين وغيرها الكثير…
هل الحرية أن نفعل ما نشاء ؟
كل هذه الأشياء تتعارض مع أن الإنسان حر مطلق وتدل على وجود قوة أعظم من الإنسان أوجدته لغاية ووفرت له القوانين لكي تساعده على بلوغ الغاية، ولو قلنا بأن المقصود بالحرية المطلقة هي الحرية السلوكية وهي فعل أي شيء من دون قيود فأيضا هذا خاطئ؛ فالسلوك بين قانونين وهما: الصواب والخطأ وعلى هذا فإذا فعلت الصواب تكن مقيداً بالحق، وإذا فعلت غير الصواب تكن مقيداً بالباطل، ولا مناص فالإنسان عليه أن يختار بينهما.
وتمثلت أدوات الاختيار في أحد القوتين: إما القوة المدركة وإما القوة الشهوية، فإذا استخدم القوة المدركة المتمثلة في العقل وهي مناط الاختيار فقد اختار عن فهم ووعي وتحرر من تأثير الشهوة، وإذا اختار بالشهوة كان جاهلاً وغير حكيم لأنه استخدم شيئاً في غير محله؛ فالشهوة ليست مدركة وليس لها القدرة على التمييز وكان بذلك عبداً لشهوته وهنالك الكثير من الأمثلة لهذا النوع مثل عبادة المال والنساء والمصالح الشخصية وحب المنفعة.
الحرية الحقيقية
إذاً وبعد كل هذا ما هي الحرية الحقيقية المطابقة للواقع؟ هي التحرر من عبودية الناس إلى عبودية رب الناس الذي خلقنا وجبلنا على ما نحن عليه وبهذا استوجب الشكر على إيجادنا وخلق لنا القوانين التي تنظم حياتنا مثل العدل فوجب علينا اتباعها ومخالفة من يخالفها وبهذا نكون أحراراً لأننا تخلصنا من عبادة النفس وعبادة الناس إلى من يستحق العبادة الحقيقية وهو الإله العادل الحكيم.
اقرأ أيضاً:
الحرية الفكرية وإشكالية التطبيق
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.