البلطجة اقتباس حيواني – هل هناك فرق بين البلطجة والدفاع عن النفس ؟
البلطجة والإنسانية
خلق الله الإنسان وفضله وميزه عن سائر المخلوقات بقدرته على التفكير المنطقي، فترى الإنسان تارة يبرهن على قضية ما وقد تجد هذا الإنسان مجادلا حول قضية أخرى، تجده خطيبًا للناس يوجههم، أو يستخدم الشعر والبلاغة والتركيب بين المفاهيم ليحرك مشاعر الناس بشعر أو قصة كما نجده أيضا يغالط ويقلب الحقائق وفق أسباب قد تكون شخصية أو غير ذلك من قدرات لا مثيل لها فى عالم الحيوان.
كل ما سبق أعطى الإنسان الأفضلية على سائر المخلوقات وجعله يسيطر على الحيوان ويكتشف الطبيعة من حوله ويستفاد من خيراتها…
هذه المقدمة استرسال لا بد منه حتى أستطيع أن أرصد تلك الظاهرة التي انتشرت في مجتمعنا والكثير من المجتمعات؛
حيث نجد أن البلطجة واستخدام القوة أصبحت السمة الغالبة على تعاملات الكثير من البلدان بل الأغرب من ذلك أن هذا النمط من التعامل هو سمة (المجتمعات المتحضرة) فمثلا التعامل الذي يتبناه أكبر البلدان وأكثرها تقدما لهو خير دليل على ذلك؛ فتعامل الولايات المتحدة مثلا مع بلدان العالم يعد أكبر شاهد فى عصرنا الحالي لتبني تلك الطريقة الحيوانية في التعامل بين البشر.
فما هو منشأ تلك الظاهرة وما هو المسوغ الذي يعتمد عليه المتبنون هذا النمط من السلوك في التعامل وفض المنازعات وإثبات وجهات النظر والأفضلية، إن البلطجة لم تقتصر على تلك الأنماط فى التعامل فقط بل تعدت للكثير من أنماط السلوك بين البشر، فالعنف ضد المخالفين فكريا أو أيدلوجيا والعنف ضد الأطفال والمرأة والضعفاء وغيرها من الممارسات…
أسباب البلطجة وعلاقتها بالدفاع عن النفس
قد نختلف فى رصد سبب ذلك السلوك ؛ فقد يرجعه البعض لنمط معين من التفكير أو أسلوب تربية، وقد يرجعه البعض الآخر لنظرة وفلسفة فى الحياة تعتمد على مبدأ البقاء للأقوى مستندا فى ذلك على قانون الغاب الذي يحكم مملكة الحيوانات والذي يتحقق النفع فيه أغلب الأحيان على أساس القوة والخداع والمكر بين الحيوانات
إن تبني أي سبب لانتشار البلطجة لا بد أن نرجعه إلى أن هذا السلوك هو سلوك حيواني بامتياز لعدم امتلاك الحيوان القدرة ولا المهارة على حل مشكلاته والحصول على المنافع بغير أسلوب القوة؛ فالحيوان لا يستطيع الإتيان بالحجة والدليل لعدم امتلاكه العقل فهو يتصرف وفق الشهوة والغريزة فقط.
وهنا قد يعترض على هذا التوضيح بعض الناس معللين ذلك بالقول أن الدفاع عن النفس باستخدام القوة هو حق مشروع للإنسان وأن هذا الدفاع لا يصح أو يجوز أن نعتبره سلوكًا حيوانيًا!
وهنا أيضا لزم التوضيح بأن الدفاع عن النفس وإن كان باستخدام القوة يختلف كل الاختلاف عن البلطجة وشريعة الغاب؛ بل هو فى الأساس مبدأ عقلي فى المقام الأول حيث إن الإنسان العاقل يقر بأن دفع الضرر والدفاع عن النفس من أهم الحقوق التى لا يجب التنازل عنها ويجب مواجهة من يتعدى على هذا الحق بأشد المواجهات والتي قد تصل لحد القتل ويكون القتل هنا دفاعا عن النفس وحقًّا مشروعًا
فما هو وجه الاختلاف إذن؟
يكمن الاختلاف هنا بين الحق المشروع فى الدفاع عن النفس والبلطجة وشريعة الغاب في أن المدافع عن النفس اسمه مدافع وليس مهاجم أي أنه في الأساس لا يعتدي على أحد كما فى سلوك البلطجة الذي هو فى الأساس فكر اعتداء وليس دفاعًا كما أن الدفاع عن النفس يعد من أهم المقومات التي تستطيع أن توقف هذا النمط الحيواني فى التعامل حيث إنها تتصدى للاعتداء بالدفاع وهذا الدفاع كلما كان قويا أدى بالضرورة إلى وقف الاعتداء.
وبالرجوع إلى ربط البلطجة بالسلوك الحيواني نؤكد على أن هذا السلوك لا يملك مشروعية للدفاع عن نفسه بأنه السلوك الأمثل لتعامل البشر مع بعضهم البعض بل بالعكس تماما إن انتشار هذا السلوك هو الأساس في فساد العالم ما بين الحروب وبلطجة الدول على بعضها وفساد العلاقات والمعاملات بين الناس بعضهم البعض بتغييب العقل وتدني لغة الحوار وعدم حفظ الحقوق، بل هو السبب أيضا فى غياب الأخلاق ذلك أن الأخلاق مبادئ عقلية فعندما يغيب العقل تغيب الأخلاق بالضرورة، فهل وجب دق ناقوس الخطر من هذا التسافل الرهيب الذي وصلت له البشرية.
وهل يجب التصدي لكل من يمثل هذا السلوك كحق مشروع للدفاع عن النفس والدفاع عن الإنسانية ضد الحيوانية؟!
أسئلة كثيرة لكن لها إجابات يمكن تحققها شريطة إرجاع العقل لدوره فى علاقتنا ومعاملاتنا.
اقرأ أيضا .. كيف تتهذب النفس البشرية
اقرأ أيضا .. متى يكون الإنسان ممسوخا؟
اقرأ أيضا .. النظرة المادية للأخلاق
اقرأ أيضا .. مأساة المجتمع الأزرق