طريقين: إما.. وإما
وقع العالم في قبضة الدعاية والترويج بقدر ما وقع في قبضة التشتت وتفكيك القيم الثابتة، فلا يوجد ثابت الآن، والمسافة بين الذكورة والأنوثة لم تعد معضلة، فقد يرتدي –على سبيل المبالغة والدعاية– الجسد الذكوري المتناسق ملابس نسائية، ويقف بها على المسرح وأمام الكاميرات ليغني.
الغناء هنا لا قيمة له في ذاته، فالقيمة للدعاية في حدها الأقصى، الدعاية هدف في ذاتها من أجل التشتت والتفكيك وتخبط المجموع وعدم اتفاقه على أي معنى أو قيمة، كل شيء يُعاد تعريفه والتلاعب به: الأخلاق والدين والوطن والاحتلال والقتل!
كل شيء في قبضة الدعاية والاستهلاك والاختلاف، فقد تعيش في بلدك ويراها أحدهم قطعة أرض جديرة به وهو جدير بها، مقاومة الاحتلال قيمة قديمة تنتمي إلى عالم لم يعد موجودًا، ولا معنى لمن يقاتل من أجل دفع العدوان ودحر الاحتلال!
الدعاية هي التجلي الأكبر للرأسمالية وقيم الاستهلاك التي وضعت أمام كل شيء ثمنه، كل شيء يمكن التجارة به، لم تعد الرأسمالية تفكر في توفير احتياجاتك، ولم تعد تفكر في توجيهك نحو هذا الشيء أو ذاك، لكنها تفكر فيك باعتبارك بضاعة، أنت نفسك تُباع وتُشترى ويُعاد تدويرك إلى الحد الأقصى، فلا معنى هنا لأفكار بالية مثل: الذكورة والأنوثة، والوطن والسيادة والاحتلال والمقاومة. هذه كلها أفكار لم تعد مقبولة في عالم جديد وحقبة جديدة من التحولات، وما تراه الآن صعبًا ومستحيلًا سيكون عاديًا ومقبولًا بعد سنوات قليلة.
أنت تفكر في الغناء على طريقة أم كلثوم و”القلب يعشق كل جميل” وتترحم على الماضي، والعالم يريد غناء لا قيمة له، قيمته في الصورة والبهرجة، لا توجد قيمة ثابتة، لكن توجد صورة تنتشر بانفلاتها كالصاروخ، ويوجد فتيان يؤدون أدوارًا اقتصادية وسياسية واجتماعية بأجسادهم المنحوتة (النحت الجسدي نفسه ابن الدعاية والانفلات والنرجسية واللحظة والتجارة والبيع والشراء والتقنية والعلم).
لا يوجد مرتكز، لا يوجد معنى.
كل شيء مهما كان مجنونًا وبعيدًا لك أن تتوقعه ولا تستغربه، عالم يتغير ويتحول بتقنياته ومكتشفاته الدقيقة وقدرته المذهلة على التحكم، الذين يتحكمون اليوم هم الأقوى والأعلم والأكثر جنونًا.
لقد وقعنا في قبضة المالكين الجدد، والمبتكرين الجدد، والمحتالين الجدد، وليس أمامنا إلا أحد طريقين: إما.. وإما!
مقالات ذات صلة:
كيف نجح فلان في حين فشل ملايين؟!
الرأسمالية وتشكيل الأيدولوجيات داخل المجتمع
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا