قضايا شبابية - مقالاتمقالات

لازمتها إيه يا دكتور

البارحة وصلتني رسالة من أحد الأصدقاء معلقًا على “مناقشات الماجستير والدكتوراه” التي نعلن عنها ويعلن عنها الباحثون ومن تعليقه أقتبس تلك العبارة:

“مع خالص احترامي يا دكتور أنا شايف إن معظم الرسايل ملهاش لازمة، وكتير جدًا من الناس اللي بتعمل الرسايل دي عالم فاضية مفيش وراها حاجة تشغلها!”.

طبعًا تواصلت معه ودار بيننا حوار مطول، وكان حوارًا غلفه الاحترام المتبادل –وإن تباينت الرؤى تباين الشرق والغرب– بيننا!

وهنا أطرح بعض التساؤلات الحائرة:

  1. هل صحيح أن الدراسات العليا لا جدوى منها كما أشار الصديق المحترم معبرًا عن رأيه؟!
  2. ما الغاية من أن ينال الباحثون درجتي الماجستير والدكتوراه؟!
  3. أين نحن من منظومة البحث العلمي العالمي؟ وماذا يجب علينا؟!

الدراسات العليا لا جدوى منها

  • للإجابة عن النقطة (1) أقول:

“واهم غافل” من يعتقد أن الدراسات العليا لا جدوى منها، فهي معيار رئيس من معايير تقدم الأمم، بل –إن جاز التعبير– هي واسطة عقد العلم في المجتمعات التي تحترم العلم وتقدر العلماء، وهي الأساس الراسخ الذي تقف عليه الدول مطاولة بنهضتها عنان السماء، محلقة في سماوات المجد والرقي والسمو.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما فائدة الماجستير والدكتوراه؟

  • وللإجابة عن النقطة (2) أقول:

هناك “غايات وأمنيات وتطلعات وأحلام مشروعة” يسعى إليها من يرغبون في الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، يتمثل بعضها فيما يلي:

  • تحقيق الذات وإشباع الرغبة الجامحة في التميز العلمي.
  • الرقي المهني والوظيفي وفق متطلبات المهنة.
  • المكانة الاجتماعية المميزة وإن أنكرها البعض “حقدًا وحسدًا وغلًا موجهًا لكل من يجتهد!”.
  • التطلع إلى مستقبل مهني أفضل أخذًا بالأسباب وإيمانًا بالقضاء والقدر، وانتظارًا للقدر الجميل الذي لا يعلمه إلا الله، واستثمارًا لمبدأ “إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا”.
  • ترسيخًا لمبدأ “احترام الذات” في عالم المادة العفن، الذي أصبح معيار التفاضل البشري فيه هو المادة فقط وهذا يتنافى مع سنة الله في خلقه التي جعلت “العلماء بالعلم” صفوة البشر، ولكن للأسف انقلبت المعايير وشُوِّهت الفطرة النقية وغدا العلماء غرباء في عالم فوضوي غريب!
  • ميراثًا للأبناء والأحفاد والبشر كلهم، فعندما يموت العلماء أو الباحثون تاركين خلفهم علمًا ينتفع به تبكيهم الأحجار والأشجار والحيتان في أعماق البحار، وتلك قمة الفوز لمن أدركت قلوبهم نبل الغاية وسطروا بعقولهم صفحات خلودهم بعد موتهم متمثلين قول أمير الشعراء: “واسطر لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان”.
  • تأكيدًا لمقولة “سنرحل جميعًا ويبقى الأثر”، وما أجمله من أثر ذلك الذي يحمل اسمك تتداوله الأجيال جيلًا بعد جيل، وتتزين أرفف المكتبات بإبداعك وتعج مواقع التواصل ومنصات البحث العلمي بسطورك التي غدت عالمًا من التألق صنعته يداك، فلا تيأس وإن أحبطك المحبطون واستخف بجهدك الجاهلون وتطاول عليك الحاقدون!

منظومة البحث العلمي

وللإجابة عن النقطة (3) أقول:

نحن بعيدون البعد كله عن منظومة التميز العلمي العالمي لأسباب متنوعة لا مجال هنا لذكرها، لكن كي “نرتقي بمنظومة البحث العلمي في بلادنا” يجب أن نعتمد على ما يلي:

  • تقنين آليات التسجيل لدرجتي الماجستير و الدكتوراه في جامعاتنا المصرية وفق ضوابط ومعايير صارمة، تستوعب الجادين فقط وتطرد المارقين الذين شوهوا المنظومة عبر ممارسات مشينة يجب بترها قبل أن تغدو سرطانًا ينهش في أوصال منظومة الدراسات العليا في مصر.
  • ربط الأبحاث والدراسات العليا بسوق العمل ومتطلباته الملحة، وتلك غاية البحث العلمي العظمى.
  • استثمار نتائج الدراسات العليا في تحقيق التنمية المستدامة وفق رؤى عمل منهجية وخطط مدروسة تحول النتائج والتوصيات إلى خطط تنفيذية تشغيلية عاجلة.
  • محاربة “المتطفلين والغوغاء”، الذين يعتمدون على الدراسات العليا وسيلة للشهرة أو الزهو أو التميز الكاذب وهم خواء لا نفع يرجى منهم، وفعلًا أصبح هؤلاء “ظاهرة مجتمعية مزعجة” يجب أن تعاد هيكلة الدراسات العليا للتخلص منهم.
  • تقديم حزمة من الحوافز لأولئك المجتهدين الذين يجب أن تستثمر طاقاتهم فيما يفيد المجتمع وبما يشبعهم ماديًا ومعنويًا، ويجعلهم يشعرون بتقدير الذات المستمد من تقدير الدولة لهم، وأعلم يقينًا أن الدولة ماضية في هذا الاتجاه.

وإجمالا: “أيها السائرون في دروب الدراسات العليا”:

  • لا تيأسوا وإن طال بكم المسير، فغدًا ستشرق الشمس من جديد وغدًا ستجنون خير ما غرستم فرحًا ورضًا وسرورًا، لا تيأسوا مهما تربص بكم المتربصون.
  • لا تيأسوا مهما قتلكم الحزن الدفين ندمًا على ما ضاع من أعماركم في سنوات جدكم واجتهادكم.
  • لا تيأسوا مهما قتلكم الانتظار، فغدًا ستسرقون الأمل من فم اليأس، وغدًا ستعلمون أن ما صنعتم لم يكن إلا ذخرًا لكم ولأولادكم ولأحفادكم يتباهون بكم، وإن غدًا لناظره قريب.

مقالات ذات صلة:

الحل في الإيجابية والبحث والإبداع

كيفية كتابة البحث العلمي

الألقاب العلمية في بلادنا العربية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب