التنمر ليس عيبًا .. بل ضروري بشرط
يعد التعريف الأكثر اتساعا لمفهوم ” التنمر ” هو الإساءة والإيذاء من طرف فرد أو مجموعة تكون أقوى أو أكثر عدداً تجاه فرد أو مجموعة أضعف أو أقل عدداً، وقد شاهدنا في الفترة الحالية حملة ليست بالبسيطة في مجتمعنا تسعى للتوعية من خطورة هذا السلوك، وانتشرت تلك الحملة لتشمل وسائل الإعلام الأكثر انتشار لدى الناس بل ووصلت للمدارس خصوصا المرحلة الابتدائية رافعة شعار “لا للتنمر”
كل هذا يبدو منطقيا إلى حد ما في التوعية من خطر هذا السلوك المرفوض طبعا داخل المجتمع الواحد والأمة الواحدة التي تجمعها المشتركات الوطنية والقومية والدينية، بل يجب وبكل الطرق المتاحة مد جسور التقارب بين بعضها البعض والعمل على إبراز المشتركات ونبذ الخلافات أو تجنبها.
لكن غير المنطقي في حملات كهذه هو التعميم في رفض السلوك بالمطلق، بمعنى أن يكون غرض الحملة تبني شعار يرفض التنمر دون وضع حدود تميز مع من “يجب التنمر” ومع من “لا يجب التنمر” وهذه قضية ليست سهلة ولنا في ذلك شواهد كثيرة نعرض منها على سبيل المثال بعض الأفكار…
فالقتل مثلا مرفوض، بل هو جريمة عندما يقع على من لا يستحق ونفس السلوك “القتل” هو مباح بل ضروري فى حالة الدفاع عن الأرض أو العرض والنفس.
كذلك رفض الآخر وعدم تقبله هو سلوك ينم عن سوء الأخلاق ويربي العداوة داخل المحتمع الواحد خصوصا أن الاختلاف من سمات البشر، لكن نفس السلوك “رفض الآخر” هو ضروري بل واجب وطنى وإنساني وأخلاقي حينما يكون الآخر عدوّاً محتلاً لا يرتدع عن فعل كل أنواع الجرائم والقبائح ضد أبناء البلد الذي يحتله، بل يجب أن يدعوا إلى مقاومته ورفض وجوده من الأساس، والعمل على إخراجه من أوطاننا وأى تخاذل في هذا الأمر يصيب أهل الوطن الواحد بالذل والتبعية لهذا المحتل ما دام باقيا آمناً في أوطاننا.
على نفس القياس يعتبر التنمر فعلاً قبيحاً يجب التوعية من أخطاره وآثارة المجتمعية والفردية سواءً على المستوى النفسي أو على المستوى المادي المتمثل بالاعتداء الجسدي، فيجب أن نربي أبناءنا على تقبل زملائهم حتى لو اختلفوا معهم، وأن نزرع فيهم قيم الأخوة والتعاون والمشاركة رافعين شعار “أنت مستقلبنا نحتاجكم جميعا فى البناء والتنمية لا سبيل لذلك غير التعاون والتراحم فيما بينكم”
لكن وهذا هو صلب الموضوع، هل إن هذه القيم التى يجب أن نرفضها بين أبنائنا ونعلمهم أضرارها تنطبق على عدونا!
بكل تأكيد لا فما ينطبق على الصديق لا ينطبق علي العدو ، بل يجب أن نزرع فيهم رفض العدوان ومواجهته والعمل على إزالته وبل الغالي والنفيس في سبيل التخلص منه لتحيا أوطاننا بالعدل والسلام الحقيقيين الذي نزرعه نحن بأيدينا بعد أن نتخلص من أعدائنا
وهنا يجب أن يكون التنمر من العدو أمراً واجباً وضرورياً، بل هو شيء حسن؛ حتى نبرز قبح أفعاله ونتحد على إلحاق أكبر قدر من الخسائر به سواء المادية أو النفسية.
ولا يخفى على أحد أن ما تمارسه الصهيونية هو من أبشع مظاهر التنمر والعنف ضد أمتنا، وليس هذا فقط، بل تمارس من الظلم ما لا حصر له من سرقة للثروات وتزييف للحقائق والتاريخ بل والتآمر على طمس هويتنا بالكامل.
فالتنمر يحمل شكلاً من أشكال الإساءة والإيذاء، موجهّاً من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف، وهنا تكمن الخطورة في التعميم في اعتبار الصديق كالعدو الدخيل المحتل، التنمر واجب بل ضروري مع العدو الصهيوني الذي يمارس نفس الأسلوب مع أمتنا، كما هو واضح للجميع
يجب أن يميز الطفل مع من يتنمر ومع من لا يجب التنمر لكن أن نربي الطفل على هذا المبدأ دون أن نميز له الفوارق فينشأ على رفض المبدأ دون تمييز، وقد يتكون في وعيه مبدأ عدم مواجهة أعدائه وأعداء وطنه لأنه تربى على ذلك، وهذا أمر في غاية الخطور ويعد أداة من أدوات الغزو الثقافي بل من أخطرها؛ بحيث تنادي بمبادئ بالمسامحة والعفو دون أن تميز بين من يستحق المسامحة ومن إن سامحته أو عفوت عنه تكون قد ارتكبت جريمة في حق نفسك وحق مجتمعك.
إن العالم بثوابته وخصوصياته والمحدد للعدو والصديق المتبني قيم العدل والخير يستطيع بالعلم والوعي أن يحدد ويفصل بين المغالطات والخداع وإن اتخذ أشكالاً براقة أو بمظاهر مشروعة وهذا ما يجب أن يسعى إليه كل أب مسؤول وكل أم مسؤولة عن إخراج أجيال للمستقبل.
اقرأ أيضاً :
الأزمة المادية وإفسادها للإنسانية – لماذا رفض صاحبنا الدعوة ؟
غريب أمركم أيها الماديون!! – كيف يعرف الإنسان نفسه ويدرك سبب وجوده ؟
مبحث القيم في الفلسفة وإشكالاته – كيف ينظر المنهج التجريبي المادي للأخلاق ؟