العربدة
بعض الكلمات ما إن يستمع إليها الشخص فإنه لا يشعر بالارتياح، بل يتملّكه ضيق النَفَس وانقباض الصدر، مثل: العربيد، السِّكِّير، الكذّاب، المحتال، البلطجة، الشبيحة.
هذه الصفات –بخاصة العربدة– ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسوء الخلق والأفعال الشائنة ومصاحبة الشلّة الفاسدة، ووجود مسافة شاسعة بين صاحب هذه الصفة وبين الحياء والأدب بل والذوق العام.
هذه الفئة التي تتصف بالعربدة تقترف الآثام والشر، وتفعل ما يحلو لها مع شرب الخمر أو أي مشروب مُسْكر تحت أي مسمى عصري أنيق، فتؤذي الناس وتتسبب في مضايقتهم ومن ثم حنقهم عليهم وكراهيتهم.
يمكن لبعض هذه الجماعة من الناس أن يهتدوا ويثوبوا إلى رشدهم وينيبوا إلى ربهم، ويتبرأوا من أعمالهم المؤذية لأنفسهم وغيرهم، وتاريخنا العربي والإسلامي حافل بهذه النماذج المُضيئة.
قانون البلطجة
البلطجية كانت في السابق تسيطر على منطقة ما، فإما أن تتمثّل في فرد أو مجموعة تسطو على الممتلكات بخاصة في الليل فتستولي عليها وتقهر أصحابها، وتسيطر على مناطق وشوارع وحارات كاملة وتغلقها لحسابها، بل ويمكن لأحدهم أن يتزوج البنت أو المرأة التي تحلو له بقوة النفوذ والإجرام.
يمكن لأحدنا أن يتساءل: وأين القانون وإحكام الأمن من هؤلاء المتنمّرين والخارجين عن أعراف الاستقامة والاعتدال؟ والإجابة هنا هي الإجابة الثابتة نفسها على مدار التاريخ والحقب، لأن الناس تتغير في أشكالها مع تكرار الأفعال وربما الأخطاء هي هي لكن الزمان هو المتغير، يرجع ذلك إلى: إما ضعف الشرطة والقائمين على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة التي يسيطرون عليها، أو التواطؤ مع هذه الفئة ونهب الغنائم واقتسام أرزاق الناس معهم بما في ذلك المخدرات والكحوليات والممنوعات، وما أشبه الليلة التي تغيب ملامحها بالبارحة شديدة الظلام، والتاريخ يعيد نفسه بكل دِقة شبرًا بشبر وذراعًا بذراع.
تنسحب كلمة البلطجة على الأفراد والمؤسسات وتحكّمهم في حياة الناس على المستوى المحلي إلى مستوى الدول والأمم، فإما أن تتسلّط الدولة على فئة أو فئات من الأقليات، أو تتسلّط دولة ماردة شاردة على دولة مُستضعفة مُسالمة.
كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟
من الواضح الجلي في عصرنا الحديث ما تقوم به إسرائيل (المهاجِرون المحتلون) بأصحاب الأرض الأصليين وهم الشعب الفلسطيني، وسوْمهم سوء العذاب وتسلطهم عليهم بكل وقاحة ونذالة بغير رادع ولا دافع، سوى من بعض الأفراد المقاومين لهذا الكيان المغتصب المنبوذ الممجوج من عدوّه وصديقه.
إن البلطجي والعربيد يفعل ما يحلو له بقتل مَن يشاء وتهجير مَن يريد ومُحاصرة الآلاف بغير طعام ولا ماء أو دواء وكهرباء، ولا أدنى امتلاك ذرّة إنسانية ورحمة، وما كان لهذا الكيان الأخرق أن يفعل هذه الأفاعيل الشنعاء كلها دون غطاء سياسي وعسكري، خفِي أو واضح للعَيان دون استحياء تقف في مقدمته الولايات المتحدة وبعض دول أوربا، التي زرعته كالغُصّة في حلْق الشعوب العربية قليلة الحيلة.
إن الدول المُعربدة يُعضّد بعضها بعضًا، وتقف سدًا منيعًا في طريق تحرير النفس والأرض وتعادي السلام والعيش بأمان، فيمدون هذا المحتل الأرعن بالمال والعتاد وبالغطاء السياسي السافر عن طريق قرارات “الفيتو” تلك البدعة المستحدثة، المتمثّلة في رفع اليد فقط فتسقط معها قيم العدالة والرجولة كلها، ويترتب على ذلك وضع العراقيل للتوصل إلى حلول تُرضي الطفل المُدلل.
إن الإنسان الكامل العقل إذا أخطأ وراجعه غيره فيمكن أن يرعوي أو على الأقل يعترف بخطئه وما ارتكبه من خطايا فاجرة بحق الأبرياء العُزّل فيتقهقر خطوة إلى الخلف، لكن نلاحظ العكس تمامًا من التصرّف بهمجية وعدم مسؤولية، كأن القتل والإخراج من الأرض واجب آكِد عليهم وميثاق قطعوه على أنفسهم، لقد فاقت دولة الاغتصاب القوانين والأعراف كلها وارتكبت أفظع الجرائم، ومع هذا يستمرون ويتمادون كأن خيط الرحمة انقطع عن قلوبهم.
مقالات ذات صلة:
هل هناك فرق بين البلطجة والدفاع عن النفس
ما يُولدُ في الظلمات يفاجئه النور فيعريه!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا