مقالات

سنعرف النتيجة النهائية بعد سنوات

فرنسا قبل نابليون بونابارت كانت القوة العظمى الوحيدة في أوروبا بالإضافة إلى جزيرة إنجلترا، لم يكن قبل القرن التاسع عشر شيء اسمه ألمانيا ولا إيطاليا!

كانت ألمانيا تتكون من نحو ألف مقاطعة مفتتة يحارب بعضها بعضًا، وكانت إيطاليا محض دويلات ومدن صغيرة تتصارع مع بعضها.

بقية الدول في القارة الأوروبية كانت متواضعة وفي مرحلة انحلال في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، مثل إسبانيا وهولندا والسويد، إلخ، ولا تزال قوى ضعيفة حتى اليوم.

لكن خاض نابليون بونابارت حروبًا وانتصر فيها كي يسيطر على أوروبا. كان قائدًا عسكريًا ناجحًا في هذه الحروب، ونجح في السيطرة على أوروبا لمدة عشر سنوات، ووحَّد ألمانيا وإيطاليا تحت قيادته!

لكن نتيجة هذه الانتصارات العسكرية الناجحة أن اتحدت القوى الأوروبية ضده، وهزموا نابليون بونابارت وقضوا على إمبراطوريته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكن النتيجة الأهم أنه بعد الحروب النابوليونية، زرعت هذه الحروب فكرة اتحاد ألمانيا، فتكونت ألمانيا في آخر القرن التاسع عشر، بل وغزت فرنسا وانتصرت عليها، وأُعلِن اتحاد ألمانيا (الرايخ الثاني) من عاصمة فرنسا، في باريس! في عاصمة فرنسا المهزومة، من قصر فرساي!

أيضًا اتحدت دويلات إيطاليا ومدنها، وأصبحت روما عاصمتها في آخر القرن التاسع عشر أيضًا! بعد أن كانت آخر مرة في التاريخ إيطاليا متحدة من 2000 سنة في عهد الدولة الرومانية!

يعني كانت نتيجة انتصارات حروب نابليون أن تحولت فرنسا من القوة الوحيدة على القارة الأوروبية، إلى محض دولة تتنافس مع ألمانيا وإيطاليا، بل إن فرنسا من بعد حروب نابليون ظلت الدولة المتواضعة، التي يُتَلاعب بها في أي حرب، وكلنا يعرف هزيمة فرنسا أمام القوات الألمانية في أي غزو ألماني، سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، حتى أصبحت فرنسا أضحوكة أوروبا، وتُشَبَّه دائمًا بالفتاة الرقيقة بتاعة الموضة والخبز، التي يغتصبها أي مقاتل! سواء مقاتل ألماني أو إنجليزي أو أمريكي!

يعني حروب نابليون كانت انتصارات عسكرية ساحقة، لكن نتج عنها فشل سياسي رهيب، وهذا ما يقوله كتاب (On War) للجنرال العسكري (Carl von Clausewitz’): إن عدم تناسق الحرب واستعمال القوة العسكرية مع الرؤية السياسية بعيدة المدى دائمًا يؤدي إلى الفشل.

تكرر هذا أيضًا في حرب الولايات المتحدة في غزو العراق وأفغانستان، قوة عسكرية جبارة وانتصارات عسكرية وقوة نارية، لكن النتيجة السياسية خسارة كاملة للولايات المتحدة الأمريكية.

اليوم تكرر هذا في حرب غزة، نتيجة تطرف حكام إسرائيل وشعبها المتطرف العنصري وفسادهم وتعصبهم، دخلت حربًا تقتل شعبًا ليس في يديه شيء غير بعض المدافع البدائية، تقتله بأحدث الصواريخ والطائرات والتكنولوجيا، لكن النتيجة على المدى البعيد سياسيًا، خسارة كاملة لمستقبل الكيان العنصري المتطرف.

ليس كل انتصار عسكري يحقق انتصارًا سياسيًا، بل أحيانًا يكون الانتصار العسكري الساحق سببًا في الهزيمة السياسية الكارثية والفشل على المدى البعيد.

حتى اليوم الأمور تبدو كانتصار لإسرائيل، وسعي لتحويل غزة إلى نسخة جديدة من جنوب لبنان والضفة الغربية، جيش يضرب حين يريد وحصار دون إزعاج وقتل دون ضوضاء.

لكن سنعرف النتيجة النهائية بعد سنوات وسنوات من اليوم، كشف الوجه القبيح للكيان المحتل وتجفيف منابع تمويله وفضح فساده وفساد المتعاونين معه في العالم كله.

إنه عمى البصيرة التي يلقيها الله في قلوب الظالمين.

مقالات ذات صلة:

أكاذيب التاريخ

زحف الحقيقة

التائهون في الدهشة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس