مقالات

المفاسد من العمى، وليس الأعمى كالبصير

من نعم الله عليّ أني قابلت مبكرًا جدًا في حياتي شيخًا روحيًا هائل العطاء، كان يتكلم كثيرًا حول الناس وسلوكهم ومشاعرهم: الحب والكراهية والإيثار، لم يحظ الشيخ بأي تعليم نظاميّ، لكني سمعت منه وتعلمت على يديه ما لم أتعلمه من أحد، كان عطاؤه وافرًا وروحه شفافة مشرقة منيرة، وكثيرًا ما حدثني فيما يشغلني من قبل أن أتكلم!

كنت دون العشرين من عمري، أردد ما تعلمته منه على أصدقائي: الاستغناء هو الحكمة، ونحن لا نحتاج إلا أقل القليل كي نعبر هذه الحياة بكرامة وإباء، وإن الإنسان موقف، الرجل الذي لا موقف له لن يترك أثرًا، ولن يعرف طريقًا للسعادة.

كان الشيخ يقول لي: “يا محمد عليك بمقولة الإمام جعفر الصادق: }تسعة أعشار الحكمة في التجاهل{“.

هل يستوي الأعمى والبصير

يبدو أن هذه المقولة وجدت في نفسي ميلًا فطريًّا، حتى لكأنها مقولتي وطبعي الذي خلقني الله به، فالناس من وجهة نظري مساكين، حتى الذين يظلمون ويعتدون ويسرقون، فأنا أعتبر كل هذه المفاسد من العمى، وليس الأعمى كالبصير على ما تعرف.

كان شيخي (رضي الله عنه) يحب مجالسة هؤلاء العميان، يحاول معهم، يحاول في صبر جميل، ومنطق ودود، وذات مساء، ذهبت معه إلى كبير العميان في مدينتنا، كان الشيخ في ذلك اليوم متألقًا ومشرقًا وبهيًا، يتكلم ويحاور ويستطرد، فتفيض روحه بالجمال والسلام، كان اللقاء في قصر فخيم يملكه الأعمى الذي جلس يتابع الشيخ، كان في أول الكلام يعترض، ثم مع الوقت توقف عن الاعتراض، ثم بدأ في الخشوع حتى انتهى بالبكاء وطلب الدعاء من الشيخ، وكثيرًا ما يكون البكاء كشفًا وانكسارًا لله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قام الشيخ وقمنا جميعًا، وفي الطريق ضغط على يدي وقال: “لكل شيء ظاهر وباطن، والله رحيم، والله غفور”!

الحياة هبة عظيمة، وتحتاج محبة بصيرة كي نعيشها بأكبر قدر ممكن من السلام.

رحم الله سيدي الشيخ ورضي عنه، ورحم موتانا وغفر لزوجتي وتقبلها بأحسن القبول!

مقالات ذات صلة: 

بلد العميان .. قصة البصر والبصيرة

الذكاء الاجتماعي

فكرة الشخصنة .. ضياع للحكمة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا