علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

يومية قرآنية

"وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ، وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ".

تندرج هذه الآية ضمن مفهوم يوميات القرآن، أي السلوك اليومي العادي الذي يمكن للإنسان أن يدركه بنفسه دون توجيه سماوي، ورغم ذلك فقد نص عليها القرآن لينقل الفعل من مستوى المنفعة الأملس إلى الخلق الذي يستقر في أعماق الضمير.

إنصاف الناس في القرآن

في الآية دعوة كريمة إلى الإنصاف، والمؤكد أن إنصاف الناس من أنفسنا ليس باليسير على كثير منا. ورغم أن الآية الكريمة جاءت في سياق الدعوة إلى عدم تطفيف الكيل والميزان وهو أمر ماديّ يمكن ضبطه، إلا أن المعنى يتسع لآفاق شديدة الرحابة.

ففي الآية دعوة جليلة إلى ضرورة التوقف عن إطلاق الأحكام على الناس ووصمهم بكل نقيصة، والملاحظ أن وصم الناس بالنقائص –غالبًا– ما يأتي في سياق تزكية النفس التي يُفترض أنها خالية مما تأخذه على غيرها، وهذا –كما تعلم– مما نهاك عنه الله!

كما أن الآية الكريمة تربط بين ظلم الناس وعدم إنصافهم والإفساد في الأرض، شعور الناس بالظلم وعدم الرضا في أي مجتمع مقدمة لفساد المجتمع وتخبطه.

إنصاف الناس عدل، وكل عدل استقامة، وكل استقامة تربية للنفس. لذا فقد دعاك القرآن إلى مقاومة سخْف نفسك والتحرر من هواها، التحرر من الهوى قوة وقدرة وامتلاء وامتلاك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

دعاك القرآن إلى العدل مع الذين تكرههم، وهذا هو الاختبار الحقيقي، فالطبيعي أن المرء يعدل مع من يحب، وقد يزيد عن العدل معه فيحسن إليه، لكن الاختبار الصعب أن تعدل مع من تكره، هذا اختبار أصيل لحريتك، أو قُل: هذا عمق للحرية قَلّ أن ننتبه إليه.

أداب أهل الإنصاف

الإنصاف، دعوة إلى المعرفة والفهم، وكل معرفة تتطلب جهدًا في الوصول إليها، ونحن نعيش عصر الجماهير، فالجميع يدوّن ويكتب والجماهير بطبيعتها تُسلّم عقولها لغيرها وتردد ما تظنه الصواب.

الإفساد في الأرض مما يحرمه العقل والمنطق بقدر ما يحرمه الدين، ولا يكون الإفساد بقطع الطرق واغتصاب ما ليس لنا فقط، هذا إفساد من السهل مقاومته والتخلص منه، رغم خطورته. الإفساد الأكبر أن تُخْسر ميزان التعامل مع الناس، وتضيّع الحق الذي يربط ما بينك وبينهم، والأكبر منه أن تفعل ذلك باسم الله وعلى سنة رسوله.

هنا دعوة راسخة إلى تحرّي الدقة. دعوة إلى جهاد نفسك التي تسكن بين جنبيك (هذا هو الجهاد الأكبر).

هنا دعوة إلى التوقف عن النظر إلى القشة في أعين الناس والانشغال بالعصا التي توشك أن تقتلع عينك.

فالانشغال بالنفس سيعود عليك حتمًا بالفائدة، سيكون لديك الوقت لتكتشف عيوبك ومزاياك، فتتخلص من الأولى وتنمي الثانية، أمّا الانشغال بالناس وتفسيقهم فسوف يضرّ بك وبهم، ويفسد ما بينك وبينهم، والله –كما تعلم– لا يحب المفسدين!

أحبّ هذه الآيات اليومية، وأحب أن أتأمل فوائدها معكم، باعتبارها من التوجيهات السامية، التي يمكن للعقول أن تلتقي عليها، رغم اختلاف الأديان والثقافات.

مقالات ذات صلة:

ما يُولدُ في الظلمات يفاجئه النور فيعريه!

سويا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم

من منطق الصحة إلى منطق الصلاحية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا