أكاذيب التاريخ

أمس أصبح إيلون ماسك أول شخص في التاريخ يملك أكثر من نصف ترليون دولار، اليوم انخفضت ثروته إلى أقل من نصف ترليون دولار!
كيف؟ هل احترقت إحدى شركاته؟ أو أغلق أحد مصانعه؟ أو سُرقت أمواله من خزينة أحد البنوك؟ لا!
إذًا كيف حدث أن الشخص في يوم واحد ترتفع ثروته مليارات الدولارات، وفي اليوم التالي تنخفض ويفقد مليارات الدولارات من دون أي تغيير حقيقي؟!
هذا هو الاقتصاد الوهمي الذي يعيشه العالم في المضاربة بالأسهم في البورصات، سعر السهم يرتفع بسبب إشاعه، أصبحت غنيًا، سعر السهم ينخفض بسبب إشاعة أو تصريح من مسؤول أو تغيير وزاري، أصبحت مفلسًا.
هذا كله دون أي شيء حقيقي على الأرض، المصانع كما هي، العمال كما هم، الأرض كما هي، المعادن كما هي، لكن التغيير يحدث على الورق وشاشات الكمبيوتر، في بورصات نيويورك ولندن، يتلاعب فيها أصحاب المال الكبار، والمتحالفين معهم في السياسة والإعلام.
تنتشر إشاعة أو خبر في الصحافة، ترتفع الأسهم، يشتري الناس الحمقى، تنتشر إشاعة أخرى أو خبر آخر في الإعلام ومواقع التواصل، يبيع الناس بسرعة، تنهار الأسهم، يفلس الحمقى، والقانون لا يحمي المغفلين!
هذه هي الرأسمالية الأمريكية، وهذا كان سبب الكساد الكبير الذي تسبب في إفلاس أمريكا والعالم الغربي قبل الحرب العالمية الثانية، وتسبب في قيام الحرب العالمية الثانية بسبب ارتفاع البطالة، وبحث البلاد عن وسائل لتعويض الكساد والانهيار الاقتصادي.
هذا الكساد في أمريكا لم تخرج منه أمريكا بسبب خطة روزفلت كما يكذبون، لم تخرج أمريكا منه بسبب إنشاء طرق وسدود وكباري وبنية تحتية، لكن أمريكا خرجت من الكساد الكبير بأن استولت على أموال أوروبا وذهبها وثرواتها وعقولها التي هاجرت إلى أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية.
ما أخرج أمريكا من الكساد سرقة ثروات أوروبا المادية والعقلية، الثروات التي كانت أوروبا قد سرقتها من المستعمرات الآسيوية والإفريقية في القرن التاسع عشر.
وبمناسبة أكاذيب التاريخ، تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية ليس بطلًا، هو باع بلده إنجلترا لتتحول من دولة عظمى إلى محض جزيرة تابعة لأمريكا، هذا كله مقابل كراهيته لألمانيا وأوروبا.
تشرتشل باع بلده إنجلترا لتتحول من دولة عظمى إلى تابع ذليل للولايات المتحدة، مقابل أن لا يتحالف ولا يتعاون مع هتلر وألمانيا وأوروبا.
إنجلترا وفرنسا لم تخرجا من الحرب العالمية الثانية منتصرتين على ألمانيا، لكن خرجتا من الحرب العالمية الثانية محض دويلات ومستعمرات تابعة للولايات المتحدة الأمريكية.
من الأكاذيب أيضًا ما يسمى الأزمة الاقتصادية في 2008 بسبب القروض المسمومة، الديون العقارية، التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلت إلى العالم الغربي كله، ومن وقتها والولايات المتحدة في تراجع.
لقد عشت في الولايات المتحدة الأمريكية في أول الألفينيات، قبل هذه الكارثة الاقتصادية، وأيضًا بعدها، والفارق شاسع، تدهور كل شيء، وارتفعت أسعار كل شيء، وتراجع كل شيء بوضوح شديد لا ينكره أي شخص يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وعاش قبل 2008 وبعدها.
لكن السبب الحقيقي ليس فساد البنوك والمؤسسات المالية، رغم أنه أحد الأسباب، لكن السبب الحقيقي أن أمريكا دخلت حربين فاشلتين لصالح إسرائيل، ولم تستفِد منهما أي ثروات ولا شيء، حرب أفغانستان 2001 وحرب العراق 2003، والحرب الحمقاء المسماة الحرب على الإرهاب والتطرف الإسلامي.
أضاعت وتُضيِّع الولايات المتحدة الطاقات والأموال في سبيل لا شيء غير الجري في الصحاري وراء الغلابة! ولم تكسب شيئًا، عكس ما كسبته في سرقة ثروات أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ما سرقته الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان والدول الإسلامية لا يكفي لتعويض ما ضيعته وخسرته في هذه الحروب الفاشلة من وقت وطاقة وعقول وأموال وثروات. الوقت والطاقة التي استعملتها الصين في نهضتها اليوم!
اليوم الولايات المتحدة يعاني شعبها بشدة، ليس لأنه شعب فقير، لكن بسبب عدم العدالة في توزيع الثروات.
يقول كتاب “لماذا يتمرد البشر؟” إن البشر لا يتمردون بسبب الفقر ولا الجوع ولا عدم توفر الخدمات، لكن يتمردون بسبب الشعور بالفارق والمقارنة. يعني لو أن موظفًا يقبض مليون جنيه وزميله يقبض مليونين ويؤدي العمل نفسه سيغضب الموظف، الشعور بالظلم!
في حين لو كل من الموظفين يقبض عشرة جنيهات، سيشعر الجميع بالتقبل والرضا، لأنه لا يرى الفارق في المعاملة، رغم أنه مبلغ بسيط.
الشعور بالظلم، حتى لو ظلم نسبي، اتساع الفارق بين الأغنياء والفقراء، هو ما يجعل الناس غاضبين
الرأسمالية الغربية نظام ظالم، يستغل الأغلبية العاملة لمصلحة أقلية يستغلون الجميع بأن يبيعوا لهم وهمًا كبيرًا عبر وسائل الإعلام: أنه ربما يومًا ما يمكن أن تكون غنيًا مثلهم، وهذا ما لا يحدث أبدًا، ويظل المال مع الأقلية وأصحابهم وأقاربهم، شبكة المصالح والعلاقات، نادي الكبار. نظام شعاره: لا عزاء للمغفلين!
مقالات ذات صلة:
ألم نمل من الظلم؟ متى ينتهي ويُنصر المظلوم؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا