مقالات

كهنوت العلم

صديق: لقد سمعت من إحدى الشخصيات الشهيرة فى إحدى دوراته التدريبية أن نظرية “الذكاءات المتعددة” لم يتم إثباتها علميا ولا يجب الاعتماد عليها، وبالرغم من ذلك فقد أفادتنى هذه النظرية كثيرا فى فهم طبيعة قدرات الإنسان، وكيف يمكن اكتشافها فما رأيك أريد أن أتأكد من صحة ما قاله؟

– حسنا هل جاء بالدليل على كونها غير علمية؟ وما الغرض من بحثه فى هذا الشأن؟

صديق: فى الحقيقة هو لم يتحدث عن أدلة ولم أستطع فهم الغرض من نفيه لصحتها!

– إذا فالصورة غير مكتملة لدينا لنحكم عليها بشكل صحيح، لكن بدون دليل لا يمكننا أخذ رأيه فى الاعتبار، والحقيقة أنه بالتجربة والملاحظات البسيطة يمكننا رؤية تنوع القدرات أو الذكاءات لدى الأشخاص، منهم المحلل المنطقى ومنهم الرياضى القوى ومنهم الموسيقى البارع ومنهم الكاتب المخضرم ومنهم من يجمع بين أكثر من قدرة فى الوقت ذاته. فما المشكلة؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صديق: إذا فهل هذا يعد دليلاً يقينياً على كونها صحيحة 100%؟

– بالطبع لا؛ فهذه مشاهدات حسية تم ملاحظتها عن طريق الاستقراء غير التام فتظل نظرية غير قاطعة.

صديق: إذا فهى نظرية ظنية لم تصل لليقين كما كان يقول المحاضر.

– نعم ظنية، ولكن ما الإشكال فى ذلك، فالظن المنطقى نسبته ما بين 51 إلى 99% ولكن إذا كان قال أنه لا يمكن الاعتماد عليها فلا أتفق معه فى ذلك.

– ولكن كيف أتبع الظن! أليس من المقلق الاعتماد على ما هو ظنى لتحديد الأهداف واتخاذ القرارات المصيرية؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– بالطبع لا يمكن الاعتماد على ما هو ظنى فى تحديد الرؤى والقرارات المصيرية، فرؤيتنا للواقع والوجود وما ينبغى أن نفعله في ذلك الواقع يجب أن نعتمد فيها على مصادر يقينية ولكن هل العلوم التجريبة كعلم النفس التى تنتمى إليه هذه التجربة والفيزياء والكيمياء… إلخ هى ما تجيبنا عن هذه الأسئلة…

– لا أعلم ولكن هناك الكثير ممن أعرفهم يثقون فى تلك العلوم ثقة عمياء ولا يستقون المعلومات ولا حتى الأفكار الفلسفية والأخلاق إلا منها مثال نظرية التطور التى تحولت لنظرية اجتماعية وتم تداولها على أنها حقيقة للإنسان، فهذه العلوم بالنسبة لهم مصادر يقينية وقاطعة…

– يبدوا أنهم غير متخصصين فى تلك العلوم يا صديقى بل حقا يؤمنون بها إيمانا أعمى كما هو حال المتدين بالوراثة الذى يأبى أن يناقش أيا من القضايا الدينية بالحجة والدليل، ويكتفى بالإيمان والثقة، فالمنهج الذى تقوم عليه تلك العلوم هو المنهج الاستقرائى التجريبى،

فحين يحاول علماء الكيمياء مثلا معرفة أثر دواء ما على الإنسان يقومون بجمع عينة عشوائية من الناس فى مكان ما تحت ظروف ما ويبدأون اختبار الدواء عليهم، ثم يحاولون إجراء التجربة فى ظروف مختلفة على بشر آخرين،

ولكن هل نجاح الدواء مع هؤلاء يجعله صالحا للبشر جميعا؟ بالطبع لا لأنهم لم يقوموا باختبار الدواء على كل البشر باختلافاتهم البيولوجية والوراثية وتحت كل الظروف البيئية الممكنة، وتلك هى الطريقة التى تعمل بها معظم العلوم القائمة على التجربة والتى تكون فى معظم الأحيان ظنية…

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صديق: أشعر بأننى مشوش قليلا! فإذا كان العلم بكل ما يقدمه للبشرية من إمكانات واكتشافات لا زالت تبهرنا غير يقينى وموثوق بهذه الطريقة كما هو شائع!

– أنا لم أقل أنه لا يمكن الاعتماد عليه ولم أقل أيضا أنه دائما تكون نتائج تجاربه ظنية ولا يمكن تعميمها يا صديقى؛ فهناك الكثير أيضا من التجارب العلمية فى الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا تم بناؤها على أسس ثابتة وراسخة ولكن هذا يحدث إذا فقط تدخل العقل التحليلى فى الاستقراء والتجارب التى يتم عملها ليستنتج السبب أو العلة التى تجعل مثلا هذا الدواء يشفى هذا الداء أو درجة الحرارة هذه تغير من صلابة الحديد وتجعله يتمدد؛ فمثلا معرفتنا بأن المادة A   إذا تفاعلت مع المادة C  سينتج عن ذلك تحلل وتفكك الروابط بين جزيئات المادة C  وجدار خلية الكبد يحتوى على المادة  C فإذا أعطينا المريض المصاب بفيروس C دواء يحتوى على المادة  A بالضرورة سينتج عن ذلك تحلل لمادة الفيروس C  وهذا ينطبق على جميع من يعانون من نفس الفيروس.

معرفتنا الآن بأن الحديد يتمدد بالحرارة “يقينا” هذا لم يحدث بالطبع لأن العلماء قاموا بتسخين كل الحديد الموجود فى العالم فى كل الظروف والأزمنة ولكنهم اكتشفوا أن المعادن تتكون من ذرات وهذه الذرات -كل الذرات- عندما تتعرض للحرارة تبتعد عن بعضها البعض فيحدث التمدد وبناء على ذلك الفهم يتم إنشاء الكبارى والسفن والسيارات والطائرات وكل من له علاقة بالحديد تحسبا لهذه الخاصية “الذاتية” فيه.

صديق: ولكنك أشرت منذ قليل أننا لا يمكننا الاعتماد على العلوم كمصدر للوصول لاتخاذ القرارات المصيرية فماذا كنت تقصد بذلك؟

– نعم، فمثلا البعض يستخدم مفهوم داروين فى نظرية التطور لعالم الحيوان و”الإنسان” الذى لا فرق بينه وبين أخيه الحيوان فى نظره كأساس أخلاقى لقوانين الحياة والمجتمع وما ينبغى أن يكون وهذا الأساس هو “البقاء للأقوى والأصلح” وأن الحق مع القوة وليست القوة مع الحق، فقامت الحروب العالمية ومات ما يقرب من 80 مليون إنسان ناهيك عن إخوتنا “الحيوانات” و “النباتات”!  توحشت الرأسمالية وازدهرت المجاعات والأمراض فى البلدان الضعيفة “الغنية” بالموارد والمقدرات، فى حين ازدهار وتطور البلدن القوية “الفقيرة” بهذه المقدرات والموارد وهذا كله نتاج الاعتماد على العلوم التجريبية التى لا تعترف إلا بما هو مادى وملموس  كمصدر لتحديد مصير البشر والكون.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صديق: الآن فهمت ما تقصد بعدم الاعتماد على العلوم كمصدر لتحديد المصير.

اقرأ أيضا:

ميزان العلم

هل كل ما نقرؤه في المجلات العلمية معلومات ونتائج صحيحة ودقيقة؟

الإنسان والحكم الظنى وأثره في حياتنا

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة

مقالات ذات صلة