مقالاتفن وأدب - مقالات

يحكى أن – كيف تغير لون بشرتك .. المجتمعات المريضة!

في زمن ليس ببعيد، يحكى أن مجتمعًا من المجتمعات أصابتهم النرجسية بأنهم أفضل المجتمعات، وأن لون بشرتهم هو الأجمل، وحياتهم هي الحياة الأكثر رقيًّا من غيرهم، بل وأن حضارتهم هي الحضارة الوحيد التي أمدت باقي المجتمعات بسبل التحضر والرقي، بل وأكثر من ذلك، فقد أعطوا لأنفسهم الحق فى تقرير ما يجب وما لايجب!

ووصل بهم الأمر في الرغبة بأن تتحول باقي المجتمعات إلى أشباه لهم؛ فسعوا جاهدين إلى نشر عاداتهم وتقاليدهم ونمط حياتهم والطراز المعماري لبناياتهم، بل وضعوا على عاتقهم تحديد نمط العلاقات بين الأفراد في كل نواحي الحياة: اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية… وقد تعمقت الرغبة أكثر وأكثر حتى ساروا يضعون معاييرًا للجمال والسعادة والنجاح وطرق العيش والنافع والضار!

وقد ساعدهم على ذلك امتلاكهم قوة كبيرة وشراسة منقطعة النظير، في مقابل مجتمعات أضعف منهم، فكلما أرادوا شيئًا سعوا بكل ما أوتوا من قوة وشراسة فى الحصول عليه، حتى وإن كان الثمن إبادة مجتمعات وشعوب بأسرها، وقد زرعوا في عقول أفراد مجتمعهم أن هذا حق لهم؛ لما يميزهم عن غيرهم من جمال وقوة وتقدم في وسائل المواصلات وصناعة السلاح والاختراعات العديدة التي توصلوا إليها، والمناطق الشاسعة التي سيطروا عليها.

حتى اقتنع أغلب الناس بتلك الأفكار، وسعوا جاهدين لتنفيذ كل تلك الأفكار على أرض الواقع؛ حتى تسير باقي المجتمعات على خطاهم ويكونوا جزءًا منهم، ويكون لهم هم حق التوجيه والإرشاد لما يمتلكونه من عناصر ومقومات تفضلهم عن غيرهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكانوا ينادون بتلك الأفكار في مدارسهم وجامعاتهم وبيوتهم، حتى سار المجتمع بأسره أسيرًا لتلك الأفكار، ومن بين أفراد تلك المجتمعات ظهر شاب تربى على تلك الأفكار، فترعرع مبهورا بهذه النرجسية التي يعيشها مجتمعه، ونمت فيه رغبة كبيرة في التميز والشهرة التي تربى عليها منذ صغره في المجتمع.

وقد وصل مجتمعه بالفعل إلى تغيير الكثير من عادات وتقاليد وقيم مجتمعات كثيرة من حولهم، حتى أصبح الكثير يلبس مثلما يلبسون ويأكل ما يأكلون، ويتحدثون بنفس طريقتهم ويتعاملون مع بعضهم البعض بنفس الطريقة التي يتعامل بها أفراد المجتمع النرجسي نفسه، حتى ساروا مسخًا لهم في الكثير من الجوانب، وتناسوا أصولهم وأعراقهم وعاداتهم وتقاليدهم التي كانت في الأساس ما تميزهم وتعطيهم هويتهم الخاصة بهم.

ولكن هذا الشاب الطامح للشهرة والثروة في نفس الوقت، قد لاحظ أنه على الرغم من تشبه الكثير من المجتمعات بمجتمعه وأن أفراد تلك المجتمعات التي قلدتهم قد أصبحوا أشباهًا لهم، لكن تظل ألوان بشرتهم غير متشابهة، فأراد أن يكمل هذا الأمر الذي لم يسبقه إليه أحد حتى الآن، ففكر كثيرًا كيف يحول أصحاب البشرة المختلفة عن لون بشرة سيدات مجتمعه إلى نفس اللون؛ وذلك لاعتقاده أن السيدات هم الأكثر اهتمامًا بجمالهن!

بحث كثيرًا كيف يحول هذا الحلم إلى حقيقة، فلم يجد غير أن يستفيد من ما وصل إليه مجتمعه من قدرة فائقة على عمل التجارب والاختراعات المادية، فقرر أن يكون منهجه فى ذلك هو التجربة وفعلا شرع فى المهمة مستعينا ببعض المراجع عن خصائص بعض المواد الكميائية في تغيير الألوان، فجرّب وجرّب وفشل مرات عديدة… لكن الرغبة في الشهرة والثروة التي زرعتها فيه نرجسيتة التى استقاها من مجتمعه كانت تدفعه لعدم اليأس.

بعد مرات عديدة توصل لنوع التركيبات الكميائية على شكل خصلة ذات ألوان مختلفة، تغير من شكل الشفاة ومجموعة أخرى من التركيبات الكميائية على شكل مسحوق تغير شكل البشرة من الغامق إلى الفاتح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فرح فرحا شديدًا لهذا الاكتشاف العظيم الذي سيغير وجه العالم من وجهة نظره، وأراد أن يبدأ في تسويق ما توصل إليه، وفي غمرة الفرح اكتشف شيئًا قلب فرحته لحزن شديد، ألا وهو أن تلك التركيبات الكميائية هي من مكونات ضارة على من يستخدمها سواءً على المستوى القريب أو البعيد، وأنه بمجرد أن يطرح منتجه للناس، سيكتشفون الضرر ويضيع كل ما بذله من مجهود في التجارب.

حزن حزنا شديدًا لتلك الحقيقة الصادمة، ودخل في حالة من الاكتئاب الشديد، وظل على هذا الحال لمدة، حتى زاره في يوم من الأيام صديق قديم له، والذي يعد من أكثر الأشخاص المقتنعين بأن مجتمعهم هو المجتمع الأفضل على الإطلاق في كل شيء.

فلما سأله لماذا أنت حزين لهذا الحد؟ فقص عليه قصة تجاربه، وكيف اكتشف أن ما توصل إليه هو ضار لمن يستخدمه، فضحك الصديق بصوت عالٍ، واستمر على ضحكه لمدة أدهشت مخترعنا! إلى أن قاطعه قائلا: وماذا في هذا الأمر يدعوك لهذا الضحك؟ فقال له صديقه: لأن مشكلتك في غاية البساطة، وحلها يسير جدا جدا… كل ما فى الأمر أنك ستتكلف بعض الأموال!

قم بإحضار مجموعة من الفتيات وادفع لهن، مقابل أن يضعن خلطة المسحوق، وقم بإحضار مجموعة من المصورين يصورهون مع نظرات الإعجاب من صديقاتهن وأزواجهن، وانشر تلك الصور في كل الأماكن التي سيطر عليها مجتمعنا، وسترى نجاحًا منقطع النظير، وسيقلد الناس كما قلدوا كل شيء في مجتمعنا!
وبالفعل نفذ الشاب الفكرة، وكانت النتائج مبهرة على مستوى المبيعات، مما دفعه لزيادة الانتشار اعتمادا على نفس الفكرة، ولكن هذه المرة أقنع بعض منتجي الأفلام السينمائية، ووعده بالكثير من الأموال مقابل أن تضع بطلات الأفلام الخلطة والمسحوق أثناء تصوير الأفلام، وأن يُظهرهن بمظهر جذاب؛ حتى يتأثر الجمهور أكثر وأكثر ويقلدوا بطلاتهم اللاتي يحبوهن!

وبذلك نجح هؤلاء الشباب فى تكملة ما بدأه مجتمعه، من طمس كل ما يميز غيرهم حتى لون بشرتهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

مقالات ذات صلة