مقالاتقضايا وجودية - مقالات

لم نكف عن طرح الأسئلة حتى يومنا هذا

الإنسان وطرح الأسئلة

 هل جربت تأمل طفل صغير لبعض الوقت؟ ماذا يفعل؟ كيف يبدأ رحلته في عالمنا؟

يركز انتباهه مع الأصوات التي يسمعها من حوله، يبتلع كل ما يصادفه، لا تتحول عيناه عن شخص أو شيء يراه لأول مرة. هل تتذكر أول زيارة لابنك لحديقة الحيوان؟ أو أول مرة شاهد فيها حيوانات أو صورًا لها؟ هل تتذكر أسئلته؟ كم مرة سألك “ما هذا”؟

وبعيدا عن عالم الطفولة… هل تتذكر أول يوم لك في وظيفتك؟ كم مرة سألت ما هذه؟ كيف تعمل؟ كيف يمكن استخدامها؟ هل تتذكر شعورك بأن هذا العالم -هذه الوظيفة- جديدة تماما عليك ولا تدري كيف ستنجح فيها؟ هل تتذكر ثقل إحساسك بالجهل أمام كل تفصيلة صغيرة في عملك وما أتبعه ذلك من خوف من عدم النجاح فيه ربما؟

فطرة حب الاستطلاع وطرح الأسئلة

ما الذي يحدث لنا حين نواجه مجهولا ؟ ماذا يحدث بداخلنا؟ لماذا تتفجر كل تلك الأسئلة ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنه حب الاستطلاع الذي فطرنا عليه، حب المعرفة وكراهية الجهل والسعي في سبيل التخلص منه، حب نورها والائتناس به والهروب من ظلامه.

وإذا كنا دائمي السعي للتعرف على ما حولنا، فمال بال أنفسنا؟ ما بال البحث والاستطلاع الداخلي؟

فطرة التساؤل والاستطلاع تدفع الإنسان للبحث عن إجابات تروي ظمأه لمعرفة نفسه، لمعرفة من أين أتى إلى هذا العالم؟ ما منشأه؟ وإلى أين يكون مصيره؟ وكيف يحقق سعادته؟ ما هي الطريقة الأفضل ليحيا بها؟

التاريخ يؤكد

حتى أقدم الكتابات التاريخية التي وصلت إلينا تخبرنا بأن الإنسان لطالما شغلت ذهنه هذه الأسئلة، معابد قدماء المصريين تشهد بالبحث في منشأ الإنسان ومبدأه حيث تزخر برسومات الآلهة وأفعالهم مع البشر ورسومات توضح مصيره بعد الموت حتى أن عقيدة الحياة بعد الموت كان لها الأثر الكبير في المعمار ما دفعهم لبناء مقابر هائلة الحجم لملوكهم تخزن فيها الأطعمة والكنوز يتزودون بها عند عودتهم من الموت.

والتراث الغربي الوارد إلينا يبدأ بملحمتي الإلياذة والأوديسة للشاعر اليوناني هوميروس وفيهما نجد قصص الآلهة وأساطيرهم المختلفة وصراعاتهم، ثم ينقلنا التاريخ الغربي لفلاسفة الطبيعة الذين حاولوا تفسير منشأ الكون بعناصر الطبيعة كالماء والهواء والنار[1] ما يؤكد الرغبة في الوصول لإجابات للأسئلة المصيرية التي تخص وجود الإنسان نفسه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولا شك أن تلك الكتابات لا تعني بداية بحث الإنسان وتساؤله؛ بل إن البحث والسعي للوصول لحقيقة الوجود الإنساني مرتبط بالإنسان نفسه وقديم قدم الإنسان نفسه، فقط هذه الكتابات هي من أقدم ما وصلنا، وربما لو امتلكنا وسائل للتعرف على التاريخ الإنساني أقدم مما هو مكتوب ومدون لوصلتنا محاولات أخرى وتساؤل وسعي يعبر عن القلق الإنساني من الجهل بنفسه وعدم رضاه عن ذلك.

طريق العقل هو البداية

إجابات الإنسان عن تلك الأسئلة : من أين جئت؟ وإلى أين يكون مصيري؟ وكيف أسلك في حياتي؟ إجابات تلك الأسئلة تمثل معتقده أو رؤيته الكونية كما يسميها الحكماء التي يتحرك في كل حياته على أساسها، وفي كل سلوك اختياري منطلقا منها.

منها يحدد غايته ونظرته لحياته وسعيه، بل ومعنى حياته من الأساس، ما يوضح خطورة التيقن من صحة تلك الإجابات وبذل الجهد في سبيل ذلك، فلا سعادة حقيقية للإنسان دون الوصول لحقيقة نفسه، ولا سكون لقلقه دون تحديد معنى حياته وغايتها، وسبيله لأن يكون سلوكه سليما يجلب له الخير هو في تحديد منطلق ومرجع ذلك السلوك بشكل صحيح، ولا ضمانة  تضمن الوصول الآمن للإنسان، وتوفر له معرفة صحيحة بنفسه سوى طريق العقل المستقيم والتزام التفكير المنطقي الصحيح.

تجاهل الفطرة يجلب الشقاء

لكن البعض حين انصرف عن نداء فطرته ولم يجبه، وحاد عن طريق العقل السليم والمنطق الصحيح واستسلم لأسر المادة، فلم يسلم بسوى ما تراه عينه أو تسمعه أذنه فأنكر وجود المعاني والغايات المطلقة، حينما تنكر لطريق العقل تنكر لنفسه وأنكرها، جهلها ولم يعرفها، ورضي باللإجابة كإجابة!

سلم الإنسان نفسه للعبثية، لانعدام الغاية والمعنى، للعيش بلا قيم أو مبادئ، ترك قلقه بشأن مبدأه ومصيره بلا سكون.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حين ترك عقله وروحه للخواء والفراغ ولم يملأ ذلك الفراغ بمعتقد وأفكار صحيحة تكسب حياته معنى ويستمد منها غاية وهدف يحيا من أجله فاستسلم للاشيء، غرق في بئر اللاشيء المظلم فضاقت به نفسه وضاق به كل واسع.

صار لا يعرف نفسه، ولا يدري لماذا يعيش، تتقاذفه الأهواء والشهوات وأيدي أصحاب رأس المال، فتارة يقنعونه أن سلسلة المطاعم الجديدة التي ما لبثت أن فتحت في مدينته تستحق أن تكون غاية يعيش من أجلها، وأن سلسلة أفلام الرعب الفلانية هي سبب كل لذة وسعادة يمكن أن تتحقق له، وأن أحدث صيحات الموضة في الملابس والأحذية والحقائب وأدوات التجميل هي كل ما ينقص حياة أي امرأة!

حين رضي باللإجابة استسلم لأي إجابة وضاع! ضاعت نفسه وروحه.

فهل تنبهت لنداء فطرتك تدفعك للبحث والاستطلاع والتساؤل عن نفسك قبل غيرها؟ هل سعيت لأن تتعلم كيف تستطيع الإجابة بشكل صحيح، كيف تصل للحقيقة؟

هل بحثت في أصلك اليوم؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

[1] حكاية الفلسفة الغربية إصدار بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث- الفصل الأول

اقرأ أيضاً:

محمد صلاح والبحث عن الذات

التساؤل حول الكون والحياة

لماذا نحن مميزون بالعقل ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة