مقالاتفن وأدب - مقالات

مدينة افتراضية… ماذا فعل أهل مدينة الأسوار العالية مع أصحاب البرج؟

في مكان ما من الكرة الأرضية أقيمت مدينة وحولها سور مرتفع يمنع أفرادها من رؤية ما يحيط بهم، وكانت هناك أبراج يعتليها أشخاص مختارون كانوا يدعَون بـ”أصحاب البرج”، تمكنهم هذه الأبراج من رؤية البيئة المحيطة فيعودون لأهل المدينة المحرومين من هذه الرؤية فيصفون لهم ما رأوه بالخارج، وبمرور الوقت أدرك “أصحاب البرج” أن أهل المدينة يصدّقون كل شيء يخبَرون به، فأهل المدينة ليس مسموحا لهم اعتلاء البرج ومن ناحية أخري فليس لديهم ما يثبتون به كذب أو صدق “أصحاب البرج” حول ما يزعمون مشاهدته بالخارج.

حب السيطرة

واستغل أصحاب البرج هذه الميزة لصالحهم، فسارو يخبرونهم  بما تهواه أنفسهم، فهم يعلمون أن أهل المدينة لا حول لهم ولا قوة، فإن رضوا عن أهلها أخبروهم أن العالم بالخارج يحب مدينتنا الجميلة، وإن استشعروا خطرهم زعموا أن هناك جحافل من الجيوش تتأهب لغزو المدينة لتصفية أهلها واحتلالهم، مردفين ذلك بالأوامر المشددة على عدم مخالفة التعليمات وبتقدير وتبجيل “أصحاب البرج” المكلَّفين بالرصد الخارجي.

ماذا اقترح أهل المدينة لحل المشكلة؟

وبالنظر إلى الإنسان المجرد فإنه -في الحالة الطبيعية- ساعٍ لحل المشاكل المحيطة به، وهو الأمر عينه الذي سعى إليه أصحاب هذه المدينة، ولكن قبل حل المشكلة عليهم أولا رصدها، وهو الأمر الذي كان مستحيلا في ظل تضارب الأنباء من أصحاب البرج حول الخطر المحيط من عدمه، وحجمه وأسبابه، وكونهم المصدر الوحيد للمعلومات، واقترح أهل المدينة حلا بأن يجددوا دماء “أصحاب البرج” وأن يستبدلوهم بطليعة أخري، وهو الأمر الذي قوبل بشدة من “أصحاب البرج”، وانقسم أهل المدينة على أنفسهم، فبعضهم اتّهم الاخرين بعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الخطر المحيط، وبأن الوقت لا يسمح لإتخاذ أي نوع من إجراءات الاستبدال بحجة أن “أصحاب البرج” القدامى هم أهل الخبرة وأن المستجدين لن يضيفوا شيئا، واتُهم البعض الآخر بالاستفادة من “أصحاب البرج” بحكم منصبهم، فيما اعتزل هذا الخلاف مجموعة من هذا المجتمع الذين انشقوا على أنفسهم أيضا، فبعضهم ذهب للاعتماد على خياله وعلي إشاعات قد سمعها عن هؤلاء الاعداء ومات من رعبه واستسلم، في حين رأى البعض الاخر أن هذا المجتمع متخلف بكل المقاييس وأجاد الانتقاد لدرجة الاحتراف غير أنه لم يضع تصورًا واضحًا للخروج من هذه الأزمة والنهوض بالمجتمع، في حين رأي قلة من البعض أن الحل يكمن في السماء وأنه لا منجي من هذه الجحافل سوى الإله وبالتالي فإن الحل هناك في السماء وليس هنا على الأرض، وعلي النقيض منهم أصيب البعض بالوهم متصورا أنه من المؤكد أنه يوجد صفة مميزه له أو لمدينته المحاصرة تجعل الجميع يريد محاربته، وأنشأ ثلة منهم ما بات يعرف بنظرية المؤامرة، والتي مكنتهم من تعميق وإبراز ميزات وهمية هم أنفسهم لا يستطيعون صياغتها في مفاهيم شاملة، ولا تقوم على أي دليل سوى أنه من المؤكد أنها موجودة لأن الأعداء قدموا من أجلها، أقلها أننا هنا سويا متوحدون.

وفي ظل هذا التناحر بين فئات #المجتمع المتزايدة وغير القابلة للحصر، وفي ظل التراجع الفكري والاضطرابات الإدراكية لكل المفاهيم، تأخرت علاقات أفراد المجتمع بصورة ملحوظة، الأمر الذي دفع جميع أفراد المجتمع إلى الشكوى من جميع أفراد المجتمع، بصورة تجعل المتابع يتسائل غارقا في محيط من الحيرة: إذا كان الجميع جلادًا فمن الضحية؟ وإذا كان الجميع ضحيةً فمن الجلاد؟ ومن المسؤول عن وصول هذا المجتمع لهذه الحالة؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

من المخطئ؟

وباختلاف وجهات النظر إلا أن النظرة المحايدة لا تجد مسؤولا بعينه تلقي عليه اللوم ولكنها في الوقت ذاته تدين المجتمع ككل، وهي نظره تبدو في تناقضها كالمجتمع الذي تقيّمه ولكنها تضع الكل في موضع المسؤولية وتري أن الإلقاء باللوم على الآخر هو صلب المشكلة وبالتالي:

أخطأ سكان المدينة في الاعتماد على مصدر واحد ورؤية الحياة من منظار أصحاب البرج مع علمهم بتناقضهم وأخطأ أصحاب البرج في إخضاع أهل المدينة لأهوائهم.

أخطأ سكان المدينة في الفرقة بينهم كأفراد مجتمع وعدم إيجاد صيغة تفاهم بينهم، وأخطأ أصحاب البرج في السعي للتفريق بين أهل المدينة وزيادة انقسامهم.

أخطأ سكان المدينة في عدم الاعتماد على المعارف والعلوم المتنوعة في ظل توافرها، وأخطأ أصحاب البرج في عدم تشجيع أهل المدينة على القراءة.

أخطأ سكان المدينة في الكسل والاعتمادية، وأخطأ أهل البرج في التهميش والإلغاء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أخطأ سكان المدينة في انعدام همتهم لخوض الصعاب وجمع المعلومات وأخطأ أهل البرج في تضخيم الصعاب وتهويل المخواف.

أخطأ سكان المدينة في تربية أهل البرج وهم صغار قبل أن يكونوا من أهل البرج وأخطأ أهل البرج في عدم المطالبة بتعديل مناهج التربية.

أخطأ سكان المدينة في عدم قيام أسلوب حضاري بينهم وبين أنفسهم كأفراد وأخطأ أصحاب البرج لعدم قيام أسلوب حضاري بينهم وبين أهل المدينة كفئات.

أخطأ سكان المدينة في احتقار أنفسهم وأخطأ أهل البرج في احتقار أنفسهم واحتقار أهل المدينة.

أخطأ سكان المدينة في انتظارهم أن يأتي أهل البرج بحل للأزمة، وأخطأ أهل البرج في انتظارهم أن يأتي أهل المدينة بحل للأزمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأخيرا أخطأ الجميع في اعتقاده أن الآخر هو سبب الأزمة.

اقرأ أيضا .. كيف تتهذب النفس البشرية

اقرأ أيضا .. النظرة المادية للأخلاق

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

محمد يونس

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ

مقالات ذات صلة