إصداراتمقالات

لماذا نتزوج (1)

لماذا نتزوج؟ سؤال بسيط، لكن باستقراء الواقع قد نحصد أطنانا من الإجابات المتغايرة، والمتناقضة أحيانا، وقد نجد أن البعض لم يفكر في إجابة، أو لم يهتم بتكوين واحدة. لكن ما هي الإجابة الصحيحة؟ وهل هناك أصلا إجابة صحيحة؟

نحتاج للإجابة عن هذا الأسئلة إلى عدة مقدمات، نلقي عليها نظرات سريعة.

المقدمة الأولى خاصة بأن الإنسان فاعل باختياره، وأن كل فعل من أفعال الإنسان توجهه مجموعة من الأفكار، فكل إنسان عندما يفعل سلوكا معينا فهو يتحرك برؤية لما ينبغي أن يقوم به.

وهذه الرؤية لما ينبغي أن يفعله؛ تتوقف بدورها على رؤيته لنفسه وللعالم من حوله. وهذه الرؤية لنفسه وللعالم يكتسبها عن طريق قنوات متعددة للمعرفة. فقد يكون تلقاها من المجتمع، أو صنعها لنفسه بتجاربه الشخصية، أو حصل عليها من الدين الذي يتبعه، أو بالتفكير العقلي، وهكذا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المقدمة الثانية تتحدث عن هذه الأدوات التي نكتسب بها هذه الرؤية النظرية، وهي كما سبق متعددة، فبين الحس والتجربة والاستقراء والتفكير البرهاني والنصوص الدينية والأخبار المنقولة تقع المصادر المتنوعة.

ولكل مصدر وظيفته وأهميته، فالعقل القياسي البرهاني ينظر في القضايا “الكلية” عن الكون والحياة والوجود، والنصوص الدينية التي تثبت صحتها بالعقل البرهاني؛ تحمل “جزئيات” العقيدة وجزئيات السلوك وما ينبغي أن يفعله الإنسان. والاستقراءات تفيد في تكوين أفكار ظنية عن القضية محل البحث، والتجربة تفيد اليقين في المحسوسات وهكذا.

المقدمة الثالثة تنظر نظرة سريعة لما ثبت بالبرهان عن الرؤية للكون والوجود، فقد ثبت وجود إله واحد حكيم خالق للكون، وثبت كماله واتصافه بالكمالات المطلقة، وثبت إرساله للنبوات، وثبتت السعادة والشقاء الأخروي، وأن أفعال الإنسان ها هنا في هذه الحياة تحدد مصيره إلى الأبد. وأن كمال الإنسان الحقيقي هو الاقتراب من مصدر هذا الوجود سبحانه، وأن هذا الكمال الحقيقي هو الذي يؤدي للسعادة الحقيقية.

المقدمة الرابعة خاصة بما ثبت بالبرهان عن النفس الإنسانية، فهذه النفس المجردة ذاتا والتي ارتبطت بالجسد في مقام العمل-لها ثلاث قوى، شهوية وغضبية وعقلية، لكل منها وظيفته وأهميته، وبهم صار الإنسان إنسانا.

وهذه القوى تحركه نحو ما فيه كماله وكمالها، فتطلب القوى الشهوية كمالاتها من لذات وشهوات تحفظ الجسد وتضمن بقاءه، وتدفع القوى الغضبية عن الجسد المفاسد والأضرار، بينما العقل العملي فيوجهه نحو كمالاته الحقيقية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأن كمالات الإنسان الحقيقية تكون عن طريق تحكم القوة العقلية في باقي القوي وفي الجسد، فكمالاته الحقيقية تكون عن طريق معرفة الحق واتباعه ومعرفة الخير والعمل به. ومن اللذات العقلية أيضا نيل الشكر والحب والاحترام والتقدير.

ولما كانت السعادة الحقيقية للإنسان كما سبق هي الاقتراب من مبدأ الوجود سبحانه؛ كان الجسد ورغباته وظيفتهم الأساسية هي مساعدة الإنسان على العلم والعمل وتحقيق تكامله الحقيقي هذا، لكن كما هو واضح فإنه إن لم يتم تلبية مطالب الجسد فإن حياة الإنسان ورحلته للبحث عن هذا التكامل ستنتهي.

فالكمالات الجسدية مطلوبة لاستمرار حياة الإنسان والمجتمع، وجعلها أفضل لكي يتمكن من السعي نحو الكمالات الحقيقية، إلا أنها ليست هي المطلوبة بالذات. ولأنها فانية ومنتهية فإنها يجب ألا تؤثر سلبا على الكمالات الحقيقية؛ بل يجب الاكتفاء فيها بحد الكفاية؛ كي لا تشغل الإنسان ولو قليلا عن الكمالات الحقيقية.

لكن القوى الشهوية والغضبية قد تطغيان إذا ترك لهم العقل الحبل على الغارب عمدا أو غفلة، فيتحرك الإنسان من أجل الجسد فقط، وتقل كمالاته الحقيقية، وينسى سعادته الحقيقية.

أما المقدمة الخامسة فخاصة بأن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، فهو باحث عن الكمال كما سبق، والاجتماع ضروري لتكامل الإنسان بل إنه قد يهلك دونه، ويساعده الاجتماع أيضا على التكامل سواء الجسدي والمادي، أو الروحي والعقلي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والصورة المثلى لهذا الاجتماع هي التي تحقق العدل، وأن العدل يحتاج لمشرع حكيم، ولما ثبت وجود مبدأ عالم كامل العلم بالكون، وثبتت حكمته، وثبت إرساله لتشريعات؛ كانت هذه التشريعات هي محققة العدل في المجتمع بالضرورة.

والإرادة التكوينية للإله لم تتعلق فقط بتكامل الفرد؛ بل وكذلك بتكامل المجتمع وتكامل البشرية جمعاء، وتكامل الاجتماع البشري ككل يحتاج إلى زمن طويل وتعاقب للأجيال.

وتكامل المجتمع والفرد يؤثر كل منهما في الآخر، والوصول للمجتمع المتكامل ومجتمع العدل؛ يحتاج لوصول الأفراد إلى درجة ما من التكامل وتحقيق العدل في نفوسهم.

وتحقيق العدل في نفوسهم هو عين التكامل الفردي السابق الذكر من علم وعمل، فالأشخاص عديمي الكمالات الأخلاقية مثلا لن يتمكنوا من التعايش مع بعضهم البعض، وعديمي المعرفة سيواجهون كثير مشاكل أيضا.

أما هؤلاء الذين يتمتعون بالكمالات الحقيقية والمعارف الحقة والصفات الأخلاقية العالية فهم الأكثر قدرة على التعايش فيما بينهم. فكمال أخلاقي واحد مثل التسامح أو الحلم إن فُقد؛ قد يؤدي لنتائج غاية في السوء على التجمعات البشرية بصورها المختلفة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما المقدمة السادسة فهي تجريبية تؤكد أن استمرار الوجود الإنساني في هذه الحياة؛ والذي يهدف إلى وصول البشر للتكامل الجمعي أو المجتمعي-تعلقت الإرادة التكوينية بأن يكون عن طريق الاجتماع بين جنسين؛ بينهما تشابهات من نواحٍ واختلاف من أخر.

بعد هذه المقدمات ننظر في أمر الزواج، فلماذا الزواج؟

يُتبع…

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة