مقالاتقضايا وجودية - مقالات

لما حدث هذا؟ فلنبحث عن الأسباب2، الكون منظم؟ وما دورنا فيه؟

عجز مفردات الكون

أنت قادر على الرؤية  إذن جرب أن لا ترمش… ستؤلمك عيناك،  ويمنعك الألم من الاستمرار ! وإن  بقيت عيناك مفتوحتين  فترة أطول  لسبب ما، يتتابع العطب فيها إلى أن تفقد بصرك !

الجينات ..

ثورة علمية توجت القرن الماضي، وتسرّع البعض وقال أنه بالجينات يمكن التحكم والسيطرة على الأحياء .. يمكن تفصيل المجتمعات  وفق تصورنا  بيولوجياً من خلال الجينات، فهي مسؤولة عن الصفات مثل لون الشعر وبنية الجسم، ومسؤولة عن الأمراض، ويقال أنها مسؤولة عن السلوك والذكاء ! وفي عام 2015  منحت جائزة نوبل للكيمياء  لثلاثة من العلماء لاكتشافهم  بعض آليات ضمن نظام معقد، تقوم من خلاله  الخلية  بإصلاح العيوب التي تصيب الجينات. هذه العيوب تحدث  طبيعيا أثناء انقسام الخلايا، أو تحدث بسبب عوامل أخرى كنواتج  أيض الغذاء السامة أو الأشعة الضارة ! فلولا نظام الإصلاح هذا لاستحالت الحياة ، ولولا العيوب ماكان لوجود نظام الإصلاح فائدة!

هاتان مجرد صورتان لحقيقة عجز كل عضو أو خلية، أو حتى أي جزء من الخلية  في جسد الإنسان على الاكتفاء بذاته. ليس الإنسان وحده، بل كل كائن حي ! أما التناغم والتكامل بين وظائف الأجزاء فمثير للعقل.

إذا غار الماء من مكان ما هلك الزرع، وهلك وراءه  الحيوان والإنسان !

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الإنسان …

كم تحتاج من الطعام والشراب يوميا؟! كم عدد ساعات نومك؟!  هل صنعت بنفسك الثوب الذى ترتديه؟! هل أصابتك الحيرة في مسألة وجودك ووجود الكون يوماً؟! هل آلمك فقدان شخص أو شيء عزيز؟!  هل تقدر أن تسعد قلبك وحدك دون إنسان أو كتاب أوحتى قهوة ؟!  .. مظاهر عجز الإنسان عن الاكتفاء بذاته ماديا ومعنويا لا تحصى،  فهو محتاج للآخر … محتاج للجماد والحيوان والإنسان.

علماء وأطباء مهرة مازالوا عاجزين عن فهم كثير من الأمراض وطرق علاجها، وبعض الأمراض إن كانت طبيعتها مفهومة، فعلاج سببها مازال بعيداً عن المقدرة !

هؤلاء المعتدون على طهارة قلوبهم حتى صاروا ظالمين، مجتهدين في سعيهم لامتلاك أسباب إيذاء الغير، هل يملكون محو رغبة المظلوم في استرداد حقه ؟!  هذه الرغبة  تقطع عليهم السبل .

أما عن الساعين نحو سمو المجتمع  فما يقابلهم من معوقات في نفوسهم وخارجها، ستلاقيها حتماً إذا كنت منهم، وإذا لم تكن فاقرأ في سيرهم.

كل هذا يقول أن الإنسان عاجز عن ضمان و دوام  تحقيق رغبته كاملة تجاه غيره، أيا كانت هذه الرغبة خيراً أو شراً، فلو تحققت رغبة ما وتغافل محققيها عن أسباب دوامها، لابد وأن يظهر ما يعطل دوامها بحكم حركية الهدم والبناء في الحياة. فمع كل دواء لمرض يمكن ظهور مرض جديد يحتاج لدواء ، ومع كل حقبة زمنية  يسودها ظلم نحتاج لظهور فئة تسعى لحقبة أكثر عدلاً، وإن تغافل مجتمع العدل عن أسباب بقائه يعود الخلل فيزداد الظلم مرة أخرى !

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الكون  …

على حد علم الإنسان المعاصر لو فرضنا توقف جرم سماوي مثل كوكب الأرض عن الحركة، لفترة متناهية في الصغر،  فإن النتيجة هي الانهيار. الجميع متفق على النتيجة ، وإن اختلفوا في  تفسير طريقة الانهيار.

وإذا انتقلنا إلى عالم المركبات والذرات والجسيمات تحت الذرية،  نجد أن انفصال ذرة عن مجموعة ذرات مكونة لمركب، تؤدي إلى تغير المركب، وبالتالي خصائصه وأهميته. كذلك الجسيمات تحت الذرية، لا شيء منها يعمل وحده، فكل منها يتأثر ويؤثر.

حيثما يوجد إنسان متأمل في الكون المحيط به أو في نفسه،  أيا كان نصيبه من العلوم التجريبية معدوم أو كبير، سيجد أن كل مفردة مختوم عليها بالعجز، فليس هناك شيء في الكون  قائم بذاته، كل شيء جوهره العجز، والعاجز إذا انفرد بعجزه، يهلك ويهلك معه غيره. أما إذا ارتبط  المفرد العاجز، بمفردات أخرى عاجزة، وتفاعلت هذه المفردات مع بعضها في تناسق، وفق قوانين فإن ذلك يسمى نظاماً. والنظام نفسه لا يزيل عن المفردات حقيقتها العاجزة،  فمن أين يأتي جمع عجزعلى عجز بقدرة مطلقة ؟!

السيارة كوسيلة نقل مثال لنظام من صنع الإنسان، فهي مكونة من أجزاء، وكل جزء يتفاعل مع جزء آخرأو أكثر بتناسق،  ويحكم تفاعل الأجزاء قوانين الميكانيكا والحركة. فماذا فعل الإنسان ليصنع نظاماً؟

في البداية كانت غايته سرعة التنقل، وبتعلم المزيد من خصائص المواد وقوانين الميكانيكا والحركة تمكن – وفقا لها – من وضع تصميم لشيء سماه (سيارة) يحقق بها غايته، وهي سرعة التنقل، ثم بدأ في تنفيذ التصميم، ولما كانت المعرفة بالخصائص والقوانين صحيحة، تحققت الغاية، وأصبحت السيارة بالفعل وسيلة لسرعة التنقل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهنا يجدر التنبيه للآتي :

  • وجود نظام السيارة دليل على وجود صانع لها.
  • أسباب تحقق صنع السيارة أربعة: وجود صانع أي الإنسان، ووجود غاية من صنع السيارة، والتوصل إلى التصميم الصحيح ، وتوفر المواد اللازمة لتنفيذ التصميم . ولو غاب أحد الأسباب الأربعة ما وجدت السيارة.
  • التصميم يتضمن أن كل جزء من السيارة مختار بدقة، أي طبيعته وخصائصه الذاتية  تؤهله للخضوع للقوانين  وتحقيق الهدف؛ فمثلاً نختار المعدن الصلب وليس الزجاج  للهيكل الخارجي، بمعنى آخر ليست طبيعة الجزء هي المحددة للقوانين، وإنما معرفة القوانين نبني على أساسها اختيارالمواد المناسبة. فالأجزاء ليست سبباً لوجود القوانين الحاكمة.
  • الأجزاء لو فقدت خاصية من خصائصها، فقدت القدرة على تحقيق الهدف من وجودها، فمثلاً لو أصاب قطعة معدنية صدأ، لا تؤدي وظيفتها بشكل صحيح، وبالتالي يحدث خلل في السيارة، قد تستمر في السير، لكن تقل الكفاءة بالتأكيد.
  • التصميم يتضمن أيضا أن يوجد كل جزء في مكان معين، فلو وضعنا مكونات السيارة مفككة، فلن تتجمع المكونات، ولن يتكون نظام السيارة، أي أن المكان ليس خاصية في مادة الجزء، إنما المكان بُعد يقيد الأجزاء بغرض نجاح عملية تنفيذ التصميم .
  • السيارة تحتاج إلى صيانة دائمة ، أي تحتاج إلى صانعها الإنسان، وبقاؤها كنظام سليم يعتمد على وجود الإنسان الذي يقوم بصيانتها وإمدادها بالوقود، أي أن النظام وإن كان متناسق الأجزاء، فلا يمكنه الاستغناء عن منظمه.

السيارة ونظام الكون

ننتقل من نظام السيارة إنساني الصنع إلى النظام الكوني

فإن أدركت أن في الكون نظاماً، ستدرك حتماً أن وراء هذا النظام فاعل هو إله مطلق حكيم. ووسائلك في الإدراك هنا هي الحس السليم الذى نقل إلى العقل صورة للكون

ويدرك العقل أنها منظمة فيصل إلى وجود ناظم للكون.

ووجود النظام يعنى أنه مسبوق بوجود غاية منه  كما أن وجود السيارة مسبوق بوجود رغبة في التنقل السريع، إذن هناك غاية من صنع الإله للكون.

ومن الفروق بين صنع الإنسان للسيارة وصنع الإله للكون، أن صنع الإنسان للسيارة تجلِ لقدرة الإنسان على معرفة القوانين ومعرفة طبيعة الأشياء، ومن ثم استخدام معرفته في تحقيق غاياته –أيا كانت الغاية- بابتكار الوسائل. أما صنع الإله للكون فهو تجلي لعظمة الإله وقدرته المطلقة، فهو صانع الأجزاء ومانحها طبيعتها، وهو صانع القوانين والأسباب، وأخضع بقاهريته الأجزاء للقوانين، فصار التناسق والتكامل بين أجزاء الكون، تجلي لعدل الإله وعلمه ورحمته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

و إذا قيّد الإنسان كلّ جزء في نظام السيارة بمكان أو حيز يدور فيه، فإن الإله قيد كل أجزاء الكون ببعدي المكان والزمان. وأخيراً  إذا مات الإنسان، قد تبقى السيارة فترة، وإذا لم تتم صيانتها تهلك شيئا فشيئا حتى تفقد كونها نظاماً؛ أما نظام الكون فهو قائم دوما بخالقه … خالق الأسباب. ويستحيل وجود الكون دون وجود الإله، لكن وجود الإله لا يتأثر بفناء كوننا.

تفرد الإنسان

والإنسان جزء من نظام الكون، خاضع للقوانين الحاكمة للنظام، لكن الفارق بين الإنسان كجزء منتمي إلى نظام الكون  وبين باقى الأجزاء التي نراها، أن الإنسان  لديه القدرة على معرفة القوانين الحاكمة للعلاقات بين الأجزاء، وهي قدرة عقلية. وإذا كانت طبيعة العقل القدرة على معرفة الأسباب، فإنه بذلك قادر على معرفة سبب المرض (عضوي أو نفسي أو اجتماعي )، وبالتالي يقدرعلى معرفة حل يشفي من هذا المرض ..

وإذا كان الإنسان مدفوعاً بفطرته الخيرة وعقله الواعي، فإنه يرى الأمراض مشكلة تحتاج لحل، ولا يراها أبدا أنها خلل فى نظام الكون! فإن كنا نسميها شراً يلم بالإنسان، فهي ليست شراً في نفسها، لكن لأنها أصابت الإنسان أو ما ينتفع به الإنسان بضرر، ما لذا يحكم عليها الإنسان بالشر، ولأن وجود المشكلة أو الشر مؤرق للإنسان، فإنه يبحث بعقله سبب هذه المشكلة، ومن ثم تبدأ رحلة العلاج أوالحل ويتخلص الإنسان مما يؤرقه.

وجود طبيعة العقل المدركة للضرر، والباحثة عن الأسباب، والراغبة في الرقي، مع وجود المشكلات نفسها كنظام ضمن أنظمة الكون. فأين اختلال النظام؟! وأين الصمت الإلهي عن شرور العالم؟!

ليس صمتاً إلهياً إنما صمت العقل! وتخليه عن دوره في نظام الكون.

بداية من تبيان عجز مفردات الكون، إلى رؤية النظام والتناسق بينها،  ثم الإقرار بوجود الإله، ومعرفة طبيعة الإنسان العاجزة مثل مفردات الكون والعاقلة، بقي عرض موقف الإنسان من هذا كله  في مقال قادم.

اقرأ أيضاً:

العاجز الطموح – المعنى

هل العالم أتوجد صدفة ؟

الوجود نعمة أم نقمة 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

مقالات ذات صلة