مقالات

الصين وأمريكا عملاقان متصارعان (الجزء الأول)

دولة الصين

دولة الصين تمثل في الحضارة الصينية المركز، والتي لها نفوذ بأشكال مختلفة على الدول الأعضاء التي تنتمي لهذه الحضارة، هذه الدول الأعضاء تشمل الدول ذات الثقافة الصينية كسنغافورة والفلبين وفيتنام، كما تشمل الدول التي بها مواطنون ذوو ثقافة صينية مثل إندونيسيا وماليزيا وكوريا وتايوان ومنغوليا وغيرها. والملاحظ أن بعض هذه الدول فيها مواطنون من أصول صينية يملكون أغلبية الاقتصاد، مثل إندونيسيا وماليزيا، مما يسبب أحيانا صراعا طائفيا كما نرى في إندونيسيا وماليزيا، وذلك بين الأغلبية الماليزية المالاوية والأغلبية الإندونيسية من جانب والمواطنين من أصل صيني من جانب آخر، بسبب استحواذ الأخيرين على أغلب الاقتصاد.

الولايات المتحدة الأمريكية

بينما نجد في الجانب الآخر -أي في الغرب- دولة المركز هي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لها نفوذ بمختلف الأشكال على الدول أصحاب الثقافة الأنجلوسكسونية، كالدول الأوربية الغربية، بينما دول أوروبا الشرقية مستبعدة من الثقافة الأنجلوسكسونية الغربية، لأنها أرثوذوكسية شرقية، فأمريكا ودول أوروبا الغربية يشار إليها بدول الغرب، وإن كانت أمريكا حاليا أكثر نفوذا في أوروبا الشرقية من ذي قبل.

أصل الصراع

ووفقا لـ(صمويل هنتنجتون) صاحب نظرية صدام الحضارات فإن الحضارات في صراع مستمر يؤول في النهاية إلى صدام حتمي، هذا الصراع -في نظره- سببه اختلاف الثقافات، فكل ثقافة ترى أنها الثقافة المتفوقة التي تمتلك مقومات القوة والعنفوان.

وأمريكا ترى في الثقافة الكونفوشية الصينية مقومات قوة وعدم تبعية وأنها عصية على الاختراق، فالثقافة الصينية التقليدية قائمة على احترام الأسرة واحترام الكبير، وقائمة على التسلسل الهرمي أي النظام واحترام التراتبية، وقائمة على أن الفرد في خدمة المجتمع، وهي قائمة أيضًا على تقديس العمل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الصين أرادت التحديث ولكن مع مراعاة الثقافة الكونفوشية الصينية وليس بمعزل عنها، وهذه مشكلة الصين الأساسية في نظر أمريكا ممثلة الحضارة الغربية، فالثقافة الغربية تقوم بشكل أساسي حاليًا على الليبرالية والديمقراطية واقتصاد السوق وحكم القانون واستقلالية الفرد “المجتمع في خدمة الفرد”، وكلها أمور مختلفة عن الثقافة الصينية التقليدية.

تدمير اليابان

إذا رجعنا بالتاريخ إلى الوراء لوجدنا اليابان دولة قامت بالتحديث في الفترة من عام 1568 إلى عام 1868، هذا التحديث كان مع مراعاة ثقافتها اليابانية وأسلوب الحياة الياباني، حتي إن الطيارين اليابانيين في حادثة بيرل هاربر قاموا بالهجوم الانتحاري على الأسطول الأمريكي وهم يرتدون زي الساموراي بوصفهم جنودا مضحيين بأنفسهم من أجل الإمبراطور واليابان، لقد عاشوا حياة الساموراي المضحين والتي تعود لمئات السنيين للوراء في تاريخ اليابان، استدعوها في حرب في القرن العشرين،

ولهذا دمر التحالف الغربي بقيادة أمريكا اليابان في الحرب العالمية الثانية بأقذر أنواع الأسلحة، أي السلاح الذري، ليس لأن اليابان كانت دولة استعمارية كما تروج التهم الإعلامية، فالدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا هي دول استعمارية بامتياز، ولكن السبب الحقيقي لتدميرها هو قيام اليابان بمشروع التحديث بمعزل عن الغرب، هذا هو جرم اليابان الحقيقي من وجهة نظرهم.

لماذا لا تعادي أمريكا اليابان؟

نرجع إلى الصين، ما هو سبب عداء أمريكا لها؟ هل لأن اقتصادها قوى؟ اليابان اقتصادها ربما أقوى من الصين، فهي ثاني أقوى دولة صناعية بعد أمريكا، والآن لا يوجد عداء بين أمريكا واليابان، وذلك لأنه تم السيطرة على اليابان وأصبح التقدم الياباني مقرونا بأسلوب الحياة الغربي وذلك بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. أما الصين فالعداء من جانب أمريكا لها مفهوم، وسببه محاولة استقلالها عن الغرب وقائدته أمريكا.

وسوف نعرض في المقال القادم لمحة تاريخية موجزة عن ظهور دولة الصين كقوة على المسرح العالمي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

 

اقرأ أيضا:

ثقافة السوق الحر وفنون التسويق، والاحتياج الزائف

مبحث القيم في الفلسفة وإشكالاته – كيف ينظر المنهج التجريبي المادي للأخلاق ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة