مقالات

الإعلام حصان طروادة الحديث 1

الأهمية والأهداف

تروي الحكاية الأسطوريّة أن الإغريق قاموا بابتكار فكرة من أجل إنهاء الحرب الطويلة التي دارت خلال حصارهم لمدينة طروادة؛ حيث صنعوا حصانًا من الخشب، أجوف الداخل، وتم ملؤه بعدد كبير من المقاتلين الإغريق، وقد تظاهر باقي ما تبقّى من جيش الإغريق بالرحيل، إلا أنهم فعليًا لم يرحلوا؛ بل اختبؤوا في مكانٍ ما، وقد تم وضع الحصان أمام المدينة، فقبل أهل طروادة إدخال هذا الحصان واستلامه كعلامة على السلام بينهم وبين الإغريق، وقد اقتنع أهل طروادة بهذا الأمر بسبب جاسوس ينتمي إلى الجيش الإغريقي استطاع إدخال هذه الفكرة في رأسهم.

أدخل أهالي طروادة الحصان إلى داخل مدينتهم باحتفال مهيب، وقد أقاموا الاحتفالات العظيمة بسبب انتهاء الحرب. بدأ الأهالي يسكرون ويثملون، وعندما أتى الليل كانت أحوال أهالي طروادة يُرثى لها بسبب حالة السُكر الشديدة التي كانت تُسيطر عليهم، فعندها خرج الجنود من داخل الحصان، وفتحوا المدينة من الداخل أمام الجيش الذي كان في الخارج، وقام الإغريق بتذبيح كلّ رجال المدينة، وسِيقت النساء والأطفال كعبيد للإغريق المنتصرين.

ومن هذه الأسطورة استـُنبط المصطلح “حصان طروادة للدلالة على ما هو ظاهره نافع مفيد وباطنه ضرر أكيد. ننطلق من هذه المقدمة الدالة على أهمية وقوة تأثير الإعلام وتوضيح الخلل فيما يبدو جيدًا وما يهدف للسيطرة وتغيير الثقافات والتأثير على خصوصيات المجتمعات بما يسهم في زيادة تبعيتها للدول الاستعمارية الجديدة باستخدام وسائل الإعلام.

تحول الإعلام من الهادف إلى المغرض

حيث يعتبر هذ العصر من أهم العصور على مستوى التقدم التقني والعلمي ، حيث كان الإعلام بشكل عام -من وسائل مرئية ومسموعة وغيرها- من أبرز نتاجات هذا التقدم التقني . لا شك في أن للإعلام أهمية قصوى في التأثير على الناس وعلى مجريات حياتهم اليومية، بل يتعدى الأمر ذلك بالتأثير على الدول وتشكيل الرأي العام فيها، وقد ساهمت التكلفة البسيطة للوسائل المسموعة والمرئية في عزوف الكثير من الناس عن الكتابة والقراءة، فسهولة الاستخدام وتوافرها بوسائل عدة جعلت من انتشار الوسائل المسموعة والمرئية أمر لا شك فيه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وعلى المستوى النظري يهدف الإعلام إلى الرقي بالثقافة العامة والأخلاقيات وحل المشكلات للفرد والمجتمع، كما يُعد وسيلة لنقل الأخبار الصادقة حتى يتوفر للإنسان قدر من الاطلاع على مجريات الأمور من حوله ويشكل حولها رأي معين. فصناعة الفيلم والمسلسل التي تدعو لقيمة معينة بات من أهم المؤثرات في تبني الناس لتلك القيمة التي يدعو إليها هذا العمل، وعلى العكس عندما تهاجم الأعمال السينمائية والتليفزيونية قيمة أخرى، فإن سرعة استجابة الناس لهذا الرفض تكون عالية جدا.

لكن الملاحظ على أرض الواقع أن من يسيطر على هذه الأدوات والإمكانيات الهائلة هم منظرو وساسة الفكر المادي الاستهلاكي المرتبطون بشكل من الأشكال بالفكر الاستعماري الغربي. فتحول الإعلام في أغلب الأحيان من الإعلام الهادف إلى الإعلام المغرض ، فالسيطرة الإعلامية الأمريكية والصهيونية على الكثير من الشبكات الإعلامية حول العالم، جعلت من الإعلام وسيلة للتظليل والتوجيه غير المباشر للكثير من القضايا والقيم، كما أصبح سلاح بيد تلك القوى لتوجيه سهام الضغط والتشويه لكل من يُخالف سياستها الاستعمارية .

أبرز أدوات الإعلام الفاسد

وقد اعتمدت في تلك السياسة الهدامة على عدة عوامل؛ فالتشكيك على سبيل المثال من أهم ركائز الإعلام المغرض الهدام ، حيث يسعى إلى إثارة الأسئلة والمغالطات حول قيم المجتمع وثقافته مستفيدا من قوة التأثير لوسائل الإعلام، بهدف خلق حالة من الشك في تلك القيم والثقافة المحلية، ولا يقتصر التشكيك حول تلك القيم فقط، بل يسعى لتحويل مواطن قوة المجتمع لمواطن ضعف.

كما يُعد استخدام المعايير المزدوجة من أبرز أدوات هذا الإعلام الفاسد؛ فنجده عند تقييم الديمقراطية على سبيل المثال في البلدان التي تختلف مع السياسات الأمريكية والصهيونية ورفضها لتلك السياسات ، يعتبرها دول ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن ما يمارسه النظام الأمريكي من قمع وتفرقة عنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء داخل المجتمع الأمريكي نفسه هي عين الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما ينظر للاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية كحق مشروع وليس احتلال، وأن ممارسات السيطرة على الثروات والغزو الأمريكي للكثير من دول العالم هو سبيل لنشر الديمقراطية والحرية !

ولا نغفل جانب التشوية الثقافي والحضاري الذي مارسه هذا الإعلام غير الصادق في أغلب الأوقات للكثير من حضارات ودول العالم، بغية تشكيك الناس في ثقافتهم، وإحلال وتبديل تلك الثقافة بالثقافة المادية الاستهلاكية التي تخدم في المقام الأول زيادة فرص السيطرة وتحويل تلك البلدان لتابع وسوق كبير لتسويق منتجاتها الثقافية كانت أو استهلاكية أو فكرية عبثية، نتاج مرحلة ما بعد الحداثة التي تُعد تطور مفجع للفكر والرؤية المادية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

تأثير الفن على الخيال والمشاعر

بطل المشهد

الحقيقة في عصر الإعلام

مقالات ذات صلة